قال الإمام الرازي ـ بشأن رأي مجاهد : إنّه تعالى مسخ قلوبهم بمعنى الطبع والختم ، لا أنّه مسخ صورهم ، وهو مثل قوله تعالى : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) ـ : ما ذكره مجاهد غير مستبعد جدّا ، لأنّ الإنسان إذا أصرّ على جهالته بعد ظهور الآيات وجلاء البيّنات ، فقد يقال في العرف الظاهر : إنّه حمار وقرد. وإذا كان هذا المجاز من المجازات الظاهرة المشهورة ، لم يكن في المصير إليه محذور البتّة (١).
وقال الإمام الشيخ محمّد عبده : «وحديث المسخ والتحويل وأنّ أولئك قد تحوّلوا من أناس إلى قردة وخنازير ، إنّما قصد به التهويل والإغراب. فاختيار ما قاله مجاهد هو الأوفق بالعبرة والأجدر بتحريك الفكرة».
قال : وليس في تفسير الآية حديث مرفوع إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نصّ فيه على كون ما ذكر مسخا لصورهم وأجسادهم (٢).
وقال في موضع آخر : رووا عن مجاهد أنّه قال : مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة ، وانّما هو مثل ضربه الله لهم مثل الحمار يحمل أسفارا.
قال : فالمراد على هذا أنّهم صاروا كالقردة في نزواتها ، والخنازير في اتّباع شهواتها. وقد تقدّم ترجيح هذا القول من جهة المعنى. بعد نقله عن مجاهد من رواية ابن جرير. ولا عبرة بردّ ابن جرير له وترجيحه لقول المشهور ، فذلك اجتهاد منه ، وكثيرا يردّ به قول ابن عبّاس والجمهور.
قال : وليس قول مجاهد بالبعيد من استعمال اللغة ، فمن الفصيح أن تقول : ربّى فلان الملك قومه أو جيشه على الشجاعة والغزو ، فجعل منهم الأسود الضواري ، وكان له منهم الذئاب المفترسة (٣).
وقد عرفت كلام ابن عاشور في ترجيح هذا القول وأنّه مسخ قلوب لا مسخ ذوات (٤).
والعمدة أنّه لا صراحة في القرآن في كونه مسخا للصور ، بل اللفظ يحتمل الأمرين ، ولا ضرورة تدعو على الحمل على ظاهر التعبير بعد احتماله المجاز الشائع في العرف واللغة كما عرفت.
__________________
(١) التفسير الكبير ٣ : ١١١.
(٢) المنار ١ : ٣٤٥.
(٣) المصدر ٦ : ٤٤٨. وراجع : ٧ : ٣٧٩.
(٤) التحرير والتنوير ١ : ٥٢٧.