فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ)(١).
ولا ريب أنّه لسان ذمّ ، ولا ذمّ إلّا على فعل اختياري ارتكبه إنسان ساقط.
فهم جعلوا أنفسهم بمثابة القردة والخنازير في نزواتها وشهواتها ، وعبدوا الطاغوت ذلّا وصغارا. والطاغوت طاغوت الهوى والانطلاق في مسارح الطيش والردى في مهانة واحتقار.
على أنّ هذا الخطاب جاء عتابا للأبناء بما ارتكبه الآباء من فضائح ، ليعتبروا بها. ولا اعتبار إلّا بما يعرفونه ويلمسونه من قبح أعمال السالفين.
وقد جاء العتاب أوّلا بمكّة ـ في سورة الأعراف ـ ثمّ بالمدينة في البقرة والمائدة. فلا بدّ أنّ الأبناء وجدوا ذلك في مآثر آبائهم. إمّا على صحائف التاريخ أو المأثور في الصدور يتوارثونه يدا بيد. وليس في الآثار العبريّة ما يشي بتحوّل الصور والأجساد. في حين أنّه أمر عظيم. أمّا التحوّل في القلوب والأرواح ، فقد سجّل التاريخ منه الشيء الكثير.
فتلك تعنّتاتهم ولجاجهم دون الرضوخ للحقّ ، وارتكابهم المخازي الفاضحة ، كلّها مسجّلة على صفحات تاريخ حياة بني إسرائيل ، المليئة بالأكدار والأقذار.
تكفيك مراجعة سفر الخروج ، ففيه من المآثم والمآسي ما يجعل الإنسان في خجل وعجب من فعال هؤلاء القوم وتصرّفاتهم المخزية تجاه الأنبياء وكفرانهم الشنيع لما أنعم الله عليهم بفضله العميم.
جاء في سفر الخروج (أص ١٦ ع ٢٧) أنّهم منعوا من التقاط المنّ يوم السبت ، فقد كان توفّر لهم الطعام يوم الجمعة ما يكفي للغد أيضا. لكنّ بعض الشعب خرجوا ليلتقطوا في السبت فلم يجدوا. فجاء الخطاب لموسى عليهالسلام : «إلى متى تأبون أن تحفظوا وصاياي وشرائعي؟!».
وفي الأصحاح ١٧ ع ١ ـ ٥ : «أنّهم ارتحلوا من برّيّة سين ونزلوا رفيديم ولم يكن ماء ليشربوا ، فخاصموا موسى عليهالسلام وتذمّروا حتّى كادوا يقتلونه ، فصرخ موسى إلى الربّ قائلا : ماذا أفعل بهذا الشعب ، بعد قليل يرجموني!!».
__________________
(١) فصلت ٤١ : ٥.