وفي الروايات الإسلاميّة هنا ـ إن صحّت ـ ما لعلّه يرشدنا إلى جوانب من هذه القصّة العجيبة وربما يرفع بعض الإبهام عنها. وسيوافيك.
وإليك شرح الآيات :
لقد قال لهم نبيّهم ـ الذي هو زعيمهم الذي أنقذهم من الذلّ وحرّرهم من أسر العدوّ ـ : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ...).
وكان هذا القول بهذه الصيغة يكفي للاستجابة والتنفيذ من غير تلكّع. لكنّهم عن سفاهة وسوء أدب ، واجهوه بالهزء فاتّهموه بأنّه يمزح ويسخر منهم ، وقالوا : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً)؟. وكان ردّ موسى على هذه السفاهة أن يستعيذ بالله وأن يردّهم برفق ، وعن طريق التعريض والتلميح ، قال : (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) الأمر الذي لا يليق بساحة الأنبياء ، وإنّما هو من صفاقة الجهلاء (أمثال من خاطبوه بهذا الكلام الهجين).
فلو كانوا قد تنبّهوا بهذا التعريض ، لكان عليهم أن يقوموا بتنفيذ الأمر ، ولكنّهم لسوء تدبّرهم وضحالة عقولهم ، زادوا في تهوّسهم وغلوائهم تجاه فهم الحقّ الصريح!
فقالوا ـ تعنّتا واستنكارا بموقف الرسول ـ : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ) فكأنّما هو ربّه وحده لا ربّهم كذلك! وكأنّ المسألة لا تعنيهم هم إنّما تعني موسى وربّه!
ثمّ إنّهم يطلبون منه أن يدعو ربّه ليبيّن لهم : (ما هِيَ؟) والسؤال عن الماهيّة هاهنا ـ وإن كان المقصود الصفة ـ إنكار واستهزاء ما هي؟ إنّها بقرة ، وقد قال لهم ذلك من أوّل الأمر ، بلا تحديد لصفة ولاسمة : بقرة ، وكفى!
هنا كذلك يردّهم موسى إلى جادّة الصواب ، ولا يجيبهم بانحرافهم في صيغة السؤال كي لا يدخل معهم في جدل شكلي إنّما يجيبهم كما ينبغي أن يجيب المعلّم المربّي ، من ابتلاه الله بهم من سفهاء منحرفين. يجيبهم عن صفة البقرة : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ).
لا هي عجوز ولا هي شابّة ، وسط بين ذا وذلك ثمّ يعقّب هذا البيان المجمل بنصيحة حازمة : (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) ولا تتمحّلوا في مراودة الأسئلة وهي تزيد في شدة التكليف بعد إطلاقه!
وهكذا لمح لهم بالأدب الواجب في السؤال وفي التلقّي فيبادروا إلى أيّة بقرة لا عجوز