ولا صغيرة ، متوسطة السنّ فيذبحوها ويخلّصوا أنفسهم من مآزق التكليف الشاقّ لو تمادوا في الغيّ واللجاج.
ولكن أنّى يفيد النصح لقوم لجوج ، فراحوا يسألون : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها)؟.
وهنا يتضايق عليهم التكليف ـ كلّما شدّدوا شدّد الله عليهم ـ : (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) وهكذا ضيّقوا على أنفسهم دائرة الاختيار ـ وكانوا من الأمر في سعة ـ فأصبحوا مكلّفين أن يبحثوا ، لا عن أيّة بقرة كانت بل عن بقرة متوسطة السنّ صفراء لمعاء صافية زاهية تسرّ الناظرين.
فلو كانوا وقفوا عند ذلك ولم يصرّوا على تعنّتهم الجاهل ، لأراحوا أنفسهم من تشديد لاحق آكد ولكن أنّى وطبيعة بني إسرائيل المتلكّئة ، تعود لتثير سخط الربّ عليهم أكثر : (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ؟) سؤال عن الواقع المطلوب ، ويعتذرون عن هذا السؤال وعن ذلك التلكّؤ بأنّ الأمر أصبح مشتبها لديهم (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) وكأنّما استشعروا لجاجتهم هذه المرّة وقالوا : (وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ).
قال موسى : إنّه تعالى يقول : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها).
فمضافا إلى الصفات السابقة تكون بحيث لم تدرّب بعد على الحرث أو السقي ، وأن تكون كذلك خالصة اللون لا تشوبها شية (قطع تخالف معظم لونها) ..
وهنا عرفوا أنّ الأمر جدّ لا محيص لهم عنه. ومن ثمّ قالوا : (الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) وكأنّهم لم يستيقنوا ذلك من قبل!!
(فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ!!) فرضخوا للأمر بعد أن واجهوا الصلابة والقاطعيّة الحاسمة.
***
وعندئذ وبعد تنفيذ الأمر ، كشف الله لهم عن الغاية التي كانت خافية عليهم لذلك الوقت.
(وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ. فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
هذا هو الجانب الثاني للقصّة ، وإن شئت قلت : الغاية من عرضها والسياق يتغيّر من الحكاية إلى