الأسباط. فأتى أهل ذلك القتيل إلى ذلك السبط ، فقالوا : أنتم والله قتلتم صاحبنا! قالوا : لا والله. فأتوا موسى ، فقالوا : هذا قتيلنا بين أظهرهم وهم والله قتلوه. فقالوا : لا والله يا نبيّ الله طرح علينا. فقال لهم موسى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) فقالوا : أتستهزىء بنا؟ وقرأ قول الله جلّ ثناؤه : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) قالوا : نأتيك فنذكر قتيلنا والذي نحن فيه فتستهزىء بنا؟ فقال موسى : (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ).
[٢ / ٢٣٧٥] وعن محمّد بن كعب القرظي ، ومحمّد بن قيس قالا : لمّا أتى أولياء القتيل والّذين ادّعوا عليهم قتل صاحبهم موسى وقصّوا قصّتهم عليه ، أوحى الله إليه أن يذبحوا بقرة ، فقال لهم موسى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) قالوا : وما البقرة والقتيل؟ قال : أقول لكم : إنّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ، وتقولون : أتتّخذنا هزوا!؟
قال أبو جعفر : فقال الّذين قيل لهم : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) بعد أن علموا واستقرّ عندهم أنّ الّذي أمرهم به موسى عليهالسلام من ذلك عن أمر الله من ذبح بقرة ، جدّ وحقّ : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) فسألوا موسى أن يسأل ربّه لهم ما كان الله قد كفاهم بقوله لهم : «اذبحوا بقرة» لأنّه ـ جلّ ثناؤه ـ إنّما أمرهم بذبح بقرة من البقر أيّ بقرة شاؤوا ذبحها من غير أن يحصر لهم ذلك على نوع منها دون نوع أو صنف دون صنف ، فقالوا بجفاء أخلاقهم وغلظ طبائعهم وسوء أفهامهم ، وتكلّف ما قد وضع الله عنهم مؤنته ، تعنّتا منهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : كما :
[٢ / ٢٣٧٦] روي عن ابن عبّاس ، قال : لمّا قال لهم موسى : (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) قالوا له يتعنّتونه : (ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) فلمّا تكلّفوا جهلا منهم ما تكلّفوا من البحث عمّا كانوا قد كفوه من صفة البقرة التي أمروا بذبحها تعنّتا منهم بنبيّهم موسى ـ صلوات الله عليه ـ بعد الذي كانوا أظهروا له من سوء الظنّ به فيما أخبرهم عن الله ـ جلّ ثناؤه ـ بقولهم : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) عاقبهم ـ عزوجل ـ بأن خصّ بذبح ما كان أمرهم بذبحه من البقر على نوع منها دون نوع ، فقال لهم ـ جلّ ثناؤه ـ إذ سألوه فقالوا : ما هي صفتها وما حليتها؟ حلّها (١) لنا لنعرفها! (قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا
__________________
(١) حلّها لنا : أي صفها وصوّرها لنا ، من الحلية ، وهي الصفة والصورة.