لله واجبا ، ولا من أموالهم يتصدّقون ، ولا يقومون بمعروف ، ولا الضيف يقرون ، ولا مكروبا يغيثون ، ولا بشيء من الإنسانيّة يعاشرون أو يعاملون.
قوله : (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) ليس ترديدا من القائل أو استدراكا ، وإنّما هو على طريقة الإبهام على السامع. أي بأيّهما قلت فقد أصبت ، فهم بين هذا وذاك .. والاستدراك إنّما هو لتدارك الغلط ولا خطأ من العالم الحكيم وهذا كقول أحدهم : لا خير فيهم لا في قليل ولا في كثير.
قوله : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ ...) بيان لكون قلوبهم أشدّ قسوة.
قال : وهذا الذي وصف الله به قلوبهم جاء نظيره في سورة النساء : (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً)(١).
وما وصف به الأحجار هنا ، جاء نحوه في سورة الحشر : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ)(٢).
قال : وهذا التقريع لليهود ومن على شاكلتهم ، استغلظه يهود المدينة فأتى رؤساؤهم وذوو الألسن والبيان منهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقالوا : يا محمّد! قد هجوتنا وادّعيت على قلوبنا ما يعلم الله خلافه ، إنّ في قلوبنا الخير الكثير ، نصوم ونتصدّق ونواسي الفقراء!
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّما الخير ما أريد به وجه الله تعالى ، وعمل على أمره تعالى. فأمّا الرياء والسمعة ومنابذة الرسول والاستكبار على الله فليس بخير ، بل هو شرّ محض ووبال على صاحبه ، يعذّبه الله به أشدّ العذاب.
فقال اليهود : إنّما نريد بذلك منابذتك حسبة لله تعالى ، فيما نعتقده!
فقال رسول الله : يا إخوة اليهود إنّ الدعاوى يتساوى فيها المحقّون والمبطلون ، ولكن حجج الله ودلائله واضحة لائحة تميّز المبطلين عن المحقّين.
قال رسول الله : وأنا بسمتي رسول الله لا أغتنم جهلكم ولا أكلّفكم التسليم لي بغير حجّة ، ولكن
__________________
(١) النساء ٤ : ٥٣.
(٢) الحشر ٥٩ : ٢١.