من تلك الأماني الجاهلة التي لا تستقيم مع منطق العدل ، ولا تتّفق مع التصوّر الصحيح للعمل والجزاء. أن يحسبوا أنفسهم منجاة من المؤاخذة والعذاب ، لا عن مبرّر معقول ، وإنّما هو على حساب الأوهام الفارغة ومن غير أساس.
«وقالوا ـ سفها ـ : لن تمسّنا النار إلّا أيّاما معدودة أيّاما قلائل ومن غير خلود قل : على أيّ أساس تدّعون هذه الدعوى الغريبة! هل اتّخذتم عند الله عهدا ومتى وأين هذا العهد؟ فلن يخلف الله عهده حيث دعواكم الجازمة! أم تقولون على الله ما لا تعلمون؟!».
وهذا هو التلقين الإلهي للحجّة الدامغة : أين هذا العهد الّذي جزمتم به وأنّ الله لا يخلفه؟! نعم ليس سوى الافتراء عليه سبحانه ، وتقولون على الله ما لا تعلمون ، أي لا علم لكم به وإنّما هي أوهام وظنون كاذبة. كما هو دأبكم في الكذب والاختلاق.
***
وهنا يأتي دور بيان الحقّ ، الذي هو فصل الخطاب ، وهو التصوّر الإسلامى النزيه في باب المثوبات والعقوبات : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى. ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى)(١).
نعم (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً) وأصرّ عليها ولم يرعو إلى رشده (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) حيث الدؤوب عليها وعدم الرجوع (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لأنّهم بذلك الدؤوب والإصرار على الذنب ، هم مهّدوا هذا الخلود في مهاوي التيه والابتعاد عن رضوان الله.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
هذه هي الصورة الكليّة من التصوّر الإسلامي النبيل ، تنبع من فكرته الكلّيّة عن الكون والحياة والإنسان .. هذا الموجود الخالد .. إمّا في شقاء دائم ، أو سعادة مع الأبد.
***
[٢ / ٢٤٥٢] قال مقاتل بن سليمان : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ) يقول : من اليهود من لا يقرأ التوراة إلّا أن يحدّثهم عنها رؤوس اليهود (٢).
__________________
(١) النجم ٥٣ : ٣٩ ـ ٤١.
(٢) تفسير مقاتل ١ : ١١٨.