(ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) توثّقتم العهد والميثاق (وَأَنْتُمْ) اليوم (تَشْهَدُونَ) بذلك ، فما هذا التهافت بين القول والسلوك؟!
وهذه العهود والمواثيق هي بعينها هي مواثيق الإسلام الأمر الذي ينبؤك عن وحدة دين الله القويم ، وكان التصديق بما جاء به محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم تصديقا بما جاء به النبيّون من قبله. وعليه فالإقرار بشرائع الله السابقة ، ليستدعي إقرارا بالشريعة الحاضرة. فالإقرار بشريعة التوراة وإنكار الإسلام تهافت فاضح مضافا إلى تهافت ما بين قولهم والسلوك.
وتبيينا لهذا التهافت ما بين القول والسلوك وجّه إليهم التوبيخ الشانىء : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) يقتل بعضكم بعضا عداء ظاهرا (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) تشرّدونهم إلى حيث لا مأوى لهم. وزيادة على ذلك (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ) يتظاهر بعضكم مع بعض ، ضدّ الفريق المتشرّد (بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) أي كان التظاهر منبعثا عن نيّة الخبث والعداء العارم. وليس عن منبعث حقّ لائح.
وتهافت آخر في السلوك أشنع : إنّهم في العداء مع بعضهم البعض يتظاهرون بالإثم والعدوان. ولكن عند ما يقع هؤلاء أسارى بيد أجانب غيرهم ، تثور غيرتهم ليقوموا باستخلاصهم ، حتّى ولو كان ذلك بافتداء المال. تناقض غريب في السلوك!!
(وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى) أي وجدتموهم أسارى ـ تفادوهم ـ بالمال.
كان هذا الحادث الغريب المتهافت واقعا قريب العهد من الإسلام. كان الأوس والخزرج أشدّ ما يكون حيّان من العرب عداء. وكان اليهود في المدينة ثلاثة أحياء ترتبط بعهود مع هذين الحيّين.
كان بنو قينقاع وبنو النضير حلفاء الخزرج ، وكان بنو قريظة حلفاء الأوس. فكانت الحرب إذا نشبت بينهم ، قاتل كلّ فريق إلى جنب حلفائه. فربما قتل يهوديّ يهوديّا ، وهذا حرام بنصّ ميثاق التوراة. كذلك كانوا يشرّدون بيهوديّ كان حلفا لغير حلفهم إذا غلبوهم فيخرجونهم من ديارهم وينهبون أموالهم وربما يسبّونهم. وهذا أيضا حرام بنصّ التوراة. ثمّ إذا وضعت الحرب أوزارها جعلوا يفادون أسارى اليهود ويفكّونهم من الأسر هنا أو هناك عندهم أو عند حلفائهم ، أو عند أعداء حلفائهم.