وذلك عملا بحكم التوراة وقد جاء فيها : «إنّك لا تجد مملوكا من بني إسرائيل إلّا أخذته وأعتقته» (١).
هذا هو التناقض الذي يؤاخذهم عليه القرآن :
(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)؟! وهنا يأتي تهديدهم اللاذع : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ) التناقض في السلوك (مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ...) إذ ذلك يكشف عن صلابتهم في الدين ، كما يدلّ على عدم التزامهم بالخلق الكريم الأمر الذي في النهاية إلى انهيار خلقي يتعقّبه السقوط والخزي والعار هذا في الحياة الدنيا.
(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
***
ثمّ يلتفت السياق إلى المسلمين وإلى البشريّة جميعا ، تبيينا لحقيقة هذا القوم اللجوج العنود ، المتعنّت الغشوم فيحذروهم ويتجانبوا مثل فعالهم وتصرّفاتهم البذيئة : (أُولئِكَ الَّذِينَ) خسروا في صفقتهم في هذه الحياة ، حيث (اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) أي باعوا حظّهم الأوفى في الحياة ـ وهي الحياة الشريفة ذات العزّ والوقار الكافلة لسعادة الدارين ـ تجاه مكسبهم هذا الزهيد الزائل.
(فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) حيث لا موضع للتخفيف عليهم بذلك الإصرار على العناد (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) حيث لا ناصر لهم ولا شفعاء يشفعون لهم ، بعد حيادهم عن سبيل النجاة.
***
وإليك من روايات السلف بشأن الآيات :
[٢ / ٢٥٢٤] أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي ميثاقكم (٢).
[٢ / ٢٥٢٥] وأخرج عبد بن حميد عن عيسى بن عمر قال : قال الأعمش : نحن نقرأ لا يعبدون إلا
__________________
(١) جاء في ١ : ١٥ ع ١٢ من سفر التثنية : «إذا بيع لك أخوك العبراني أو أختك العبرانيّة وخدمك ستّ سنين ففي السنة السابعة تطلقه حرّا من عندك وتزّوده من غنمك ومن معصرتك».
(٢) الدرّ ١ : ٢٠٩ ؛ الطبري ١ : ٥٤٨ / ١١٩٢ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٥٩ / ٨٣٣.