مغمورا. لئلّا تبطل حجج الله وبيّناته. وكم ذا وأين أولئك؟ أولئك ـ والله ـ الأقلّون عددا ، والأعظمون عند الله قدرا. يحفظ الله بهم حججه وبيّناته ، حتّى يودعوها نظراءهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ، وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استعوره المترفون ، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلّقة بالمحلّ الأعلى أولئك خلفاء الله في أرضه ، والدعاة إلى دينه. آه آه شوقا إلى رؤيتهم!»
ثمّ قال لكميل : انصرف يا كميل إذا شئت (١).
وله عليهالسلام في صفات القلب وحالاته وصف بالغ. قال :
[٢ / ٢٦٥٨] «لقد علّق بنياط (٢) هذا الإنسان بضعة هي أعجب ما فيه ، وذلك القلب وذلك أنّ له موادّ من الحكمة وأضدادا من خلافها :
فإن سنح (٣) له الرجاء ، أذلّه الطمع! وإن هاج به الطمع ، أهلكه الحرص! وإن ملكه اليأس ، قتله الأسف! وإن عرض له الغضب ، اشتدّ به الغيظ! وإن أسعده الرّضا ، نسي التحفّظ (٤)!
وإن غاله الخوف ، شغله الحذر! وإن اتّسع له الأمر ، استلبته الغرّة (٥)! وإن أفاد مالا ، أطغاه الغنى (٦)! وإن أصابته مصيبة ، فضحه الجزع! وإن عضّته الفاقة ، شغله البلاء! وإن جهده الجوع ، قعد به الضعف! وإن أفرط به الشبع ، كظّته البطنة!»
ثمّ قال : فكلّ تقصير به مضرّ ، وكلّ إفراط له مفسد (٧)!.
[٢ / ٢٦٥٩] وقال عليهالسلام : «إنّ هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان ، فابتغوا لها طرائف الحكم (٨)».
[٢ / ٢٦٦٠] وقال عليهالسلام : «قيمة كلّ امرء ما يحسنه» (٩).
قال السيّد رحمهمالله : وهي الكلمة التي لا تصاب لها قيمة ، ولا توزن بها حكمة ، ولا تقرن إليها كلمة.
[٢ / ٢٦٦١] وقال عليهالسلام : «أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع!» (١٠).
__________________
(١) نهج البلاغة ٤ : ٣٦ ، الحكمة ١٤٧. (٢) النياط ـ ككتاب ـ : عرق معلّق به القلب.
(٣) سنح ـ بالحاء المهملة ـ : بدا وظهر.
(٤) التحفّظ من الضياع وذهاب النعم.
(٥) الغرّة : الغفلة. وهي توجب ذهاب الفرص.
(٦) (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى).
(٧) نهج البلاغة ٤ : ٢٥ ، الحكمة ١٠٨.
(٨) المصدر : ٢٠ ، الحكمة ٩٠.
(٩) المصدر : ١٨ ، الحكمة ٨١.
(١٠) المصدر : ٤٨ ، الحكمة ٢١٩.