فتلك أبأس الصفقات وأخسرها ، إذ خسروا شرف الإنسانيّة النبيلة والحياة العليا الكريمة إزاء مطامع سافلة وآمال خائبة لا محالة كما وقد خسروا سعادة الحياة في الدار الأخرى وسوف ينتظرهم العذاب المهين في ذلّ وهوان.
ولقد كان الذي حملهم على ارتكاب هذا العمل الشائن الخاسر ، هو حسدهم أن يختار الله لرسالته التي انتظروها فيهم ، محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم النبيّ العربيّ الكريم وحقدهم لأن ينزّل الله من فضله على من يشاء من عباده من سائر الأمم غيرهم. وما هذا الحسد والحقد إلّا بغيا وظلما فاحشا ونكارة لحكمة الله في صنعه القويم. فكانت مغبّة هذا البغي والاعتداء الفاحش أن عادوا بغضب على غضب. وهناك ينتظرهم عذاب مهين ، جزاء الاستكبار والحسد والبغي الذميم.
***
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ). وهذه هي الطبيعة التي تبدو هنا في يهود ، هي الطبيعة الكنود ، طبيعة الأثرة الضيّقة الّتي تعيش في نطاق من التعصّب الشديد وتحسّ أنّ كلّ خير يصيب من سواها كأنّما هو مقتطع منها ، ولا تشعر بالوشيجة الإنسانية الكبرى ، التي تربط البشرية جميعا. وهكذا عاشت اليهود في عزلة عصبيّة عمياء ، ويتربّصون بالبشرية الدوائر ولا يزالون يكنّون للناس البغضاء ، ويعانون عذاب الأحقاد والضغائن. ويذيقون البشريّة رجع هذه الأحقاد فتنا يوقدونها بين الشعوب وهكذا يدبّرون للناس المكائد عبر التاريخ.
كانوا إذا دعوا للإيمان الصادق يتبجّحون بما عندهم ويرون فيه الكفاية ليدعوا ما سواه. في حين أنّ الذي عرض عليهم كان هو الحقّ المتوافق مع مالديهم من حقائق ضاعت أكثرها.
***
وإنّه لعجب من موقفهم هذا ، مالهم وللحقّ؟! إنّهم يعبدون أنفسهم ويتعبّدون لعصبيّتهم ماداموا يستأثرون بما لديهم فحسب لا بل إنّهم يعبدون هواهم فلقد كفروا من قبل بما جاء به أنبياؤهم. وكانوا يجابهونهم بالجحود والنكران وأحيانا بالقتل والتشريد.
(قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إيمانا صادقا بالحقّ الذي عندكم ـ فيما زعمتم ـ فكيف جابهتم الّذين جاؤوكم به بالعداء العارم؟!