[٢ / ٢٧٠٠] وأخرج الطستيّ في مسائله عن ابن عبّاس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عزوجل : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) قال : بئس ما باعوا به أنفسهم حيث باعوا نصيبهم من الآخرة بطمع يسير من الدنيا. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت الشاعر وهو يقول :
يعطى بها ثمنا فيمنعها |
|
ويقول صاحبها ألا تشري (١) |
[٢ / ٢٧٠١] وعن ابن عبّاس : إنّ كفر اليهود لم يكن شكّا ولا اشتباها ولكن كان بغيا منهم حيث صارت النبوّة في ولد إسماعيل. (٢)
***
قال أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري : ومعنى قوله جلّ ثناؤه : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) ساء ما اشتروا به أنفسهم. وأصل «بئس» : «بئس» من البؤس ، سكنت همزتها ثمّ نقلت حركتها إلى الباء ، كما قيل في ظللت : ظلت ، وكما قيل للكبد : كبد ، فنقلت حركة الباء إلى الكاف لمّا سكنت الباء. وقد يحتمل أن تكون «بئس» وإن كان أصلها «بئس» من لغة الّذين ينقلون حركة العين من فعل إلى الفاء إذا كانت عين الفعل أحد حروف الحلق الستّة ، كما قالوا من «لعب» : «لعب» ومن «سئم» «سئم» ، وذلك فيما يقال ، لغة فاشية في تميم ، ثمّ جعلت دالّة على الذمّ والتوبيخ ووصلت ب «ما».
واختلف أهل العربية في معنى «ما» الّتي مع «بئسما» ، فقال بعض نحويّي البصرة : هي وحدها اسم ، و «أن يكفروا» تفسير له (٣) نحو : نعم رجلا زيد ، و «أن ينزل الله» بدل من «أنزل الله».
وقال بعض نحويّي الكوفة : معنى ذلك : بئس الشيء اشتروا به أنفسهم أن يكفروا ، ف «ما» اسم بئس ، و «أن يكفروا» الاسم الثاني. وزعم أنّ «أن ينزل الله من فضله» (٤) إن شئت جعلت «أن» في موضع رفع ، وإن شئت في موضع خفض. أمّا الرفع : فبئس الشيء هذا أن فعلوه ؛ وأما الخفض : فبئس الشيء اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا. قال : وقوله : (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ)(٥) كمثل ذلك. والعرب تجعل «ما» وحدها في هذا الباب بمنزلة الاسم التامّ كقوله :
__________________
(١) الدرّ ١ : ٢١٨.
(٢) الوسيط ١ : ١٧٣.
(٣) التفسير عند البصريين هو التمييز.
(٤) كذا في الأصل ؛ ولعلّه خطأ من النسّاخ. والصواب : «أن يكفروا» إن شئت ... الخ.
(٥) المائدة ٥ : ٨٠.