(فَنِعِمَّا هِيَ)(١) و «بئسما أنت» واستشهد لقوله ذلك برجز بعض الرّجّاز :
لا تعجلا في السّير وادلواها |
|
لبئسما بطء ولا نرعاها (٢) |
قال أبو جعفر : والعرب تقول : لبئسما تزويج ولا مهر ، فيجعلون «ما» وحدها اسما بغير صلة.
وقائل هذه المقالة لا يجيز أن يكون الذي يلي «بئس» معرفة موقّتة وخبره معرفة موقّتة (٣). وقد زعم أنّ «بئسما» بمنزلة : بئس الشيء اشتروا به أنفسهم ، فقد صارت «ما» بصلتها اسما موقتا ؛ لأنّ «اشتروا» فعل ماض من صلة «ما» في قول قائل هذه المقالة ، وإذا وصلت بماض من الفعل كانت معرفة موقتة معلومة ؛ فيصير تأويل الكلام حينئذ : «بئس شراؤهم كفرهم» ، وذلك عنده غير جائز ، فقد تبيّن فساد هذا القول.
وكان آخر منهم يزعم أنّ «أن» في موضع خفض إن شئت ، ورفع إن شئت ، فأمّا الخفض فأن تردّه على الهاء التي في «به» على التكرير على كلامين ، كأنّك قلت : اشتروا أنفسهم بالكفر. وأمّا الرفع فأن يكون مكرّرا على موضع «ما» التي تلي «بئس». قال : ولا يجوز أن يكون رفعا على قولك : بئس الرجل عبد الله.
وقال بعضهم : «بئسما» شيء واحد يرفع (٤) ما بعده كما حكي عن العرب : «بئسما تزويج ولا مهر» فرافع تزويج «بئسما» ، كما يقال : «بئسما زيد ، وبئسما عمرو» ، فيكون «بئسما» رفعا بما عاد عليها من الهاء ، كأنّك قلت : بئس شيء الشيء اشتروا به أنفسهم ، وتكون «أن» مترجمة (٥) عن «بئسما».
وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من جعل «بئسما» مرفوعا بالراجع من الهاء في قوله : (اشْتَرَوْا بِهِ) كما رفعوا ذلك بعبد الله ، إذ قالوا : بئسما عبد الله ، وجعل «أن يكفروا» مترجمة عن «بئسما» ، فيكون معنى الكلام حينئذ : بئس الشيء [الّذي] باع اليهود به أنفسهم ، كفرهم بما أنزل الله بغيا وحسدا أن ينزل الله من فضله. وتكون «أن» التي في قوله : «أن ينزل الله» في موضع نصب ؛ لأنّه يعني به أن يكفروا بما أنزل الله من أجل أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده. وموضع أن
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٧١.
(٢) ادلواها : يقال : دلوت الناقة ، إذا سقتها سوقا رفيقا.
(٣) المعرفة الموقّتة : المعرفة المحدّدة.
(٤) كانت في الأصل : «يعرف». والصواب ما أثبتناه.
(٥) الترجمة هي عطف البيان والبدل.