جرّ (١). وكان بعض أهل العربيّة من الكوفيّين يزعم أنّ «أن» في موضع خفض بنيّة الباء. وإنّما اخترنا فيها النصب لتمام الخبر قبلها ، ولا خافض معها يخفضها ، والحرف الخافض لا يخفض مضمرا.
وأما قوله : (اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) فإنّه يعني به باعوا أنفسهم. كما :
[٢ / ٢٧٠٢] حدّثني موسى بن هارون بالإسناد عن السدّي في قوله : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) يقول : باعوا أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا.
[٢ / ٢٧٠٣] وعن ابن جريج ، قال : قال مجاهد في قوله : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) يهود شروا الحقّ بالباطل وكتمان ما جاء به محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن يبيّنوه.
والعرب تقول : شريته بمعنى بعته ، واشتروا في هذا الموضع «افتعلوا» من شريت. وكلام العرب فيما بلغنا أن يقولوا : شريت بمعنى بعت ، واشتريت بمعنى ابتعت. وقيل إنّما سمّي الشاري (٢) شاريا لأنّه باع نفسه ودنياه بآخرته. ومن ذلك قول يزيد بن مفرّغ الحميري :
وشريت بردا ليتني |
|
من قبل برد كنت هامة (٣) |
ومنه قول المسيّب بن علس (٤) :
يعطى بها ثمنا فيمنعها |
|
ويقول صاحبها ألا تشري |
يعني به : بعت بردا. وربما استعمل «اشتريت» بمعنى «بعت» ، و «شريت» في معنى «ابتعت» ، والكلام المستفيض فيهم هو ما وصفت.
قال أبو جعفر : فمعنى الآية : بئس الشيء [الذي] باعوا به أنفسهم الكفر بما أنزل الله في كتابه على موسى من نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم والأمر بتصديقه واتّباعه ، من أجل (٥) أن أنزل الله من فضله ـ وفضله
__________________
(١) أي ويجوز أن تجعل أن في موضع جرّ. ويكون الواو هنا بمعنى أو.
(٢) الشاري هنا واحد الشراة ؛ وهم الخوارج. قيل سمّوا بذلك لقولهم : إنّا شرينا أنفسنا في طاعة الله حين فارقنا الأئمّة الجائرة.
(٣) قوله : «كنت هامة» أي هالكا. يقال : فلان هامة اليوم أو غد ، أي قريب هلاكه ، فإذا هو هامة. وكانت الجاهلية تزعم أنّ روح الميت تصير هامة «وهو طائر كالبومة» فتطير.
(٤) هو من شعراء بكر بن وائل المعدودين خال الأعشى. (الشعر والشعراء لابن قتيبة : ٩٥).
(٥) تعليل للكفر ، أي إنّهم كفروا من أجل.