وأمّا قوله : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) فإنّ تأويله : تشهّوه وأريدوه. وقد روي عن ابن عبّاس أنّه قال في تأويله : «فسلوا الموت» ولا يعرف التمنّي بمعنى المسألة في كلام العرب ، ولكن أحسب أنّ ابن عبّاس وجّه معنى الأمنيّة إذ كانت محبّة النفس وشهوتها إلى معنى الرغبة والمسألة ، إذ كانت المسألة هي رغبة السائل إلى الله فيما سأله.
[٢ / ٢٧٤٣] وروى أبو روق ، عن الضحّاك عن ابن عبّاس في قوله : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) قال : فسلوا الموت (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
***
قال أبو جعفر : وأمّا قوله تعالى (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) ، فهو خبر من الله ـ جلّ ثناؤه ـ عن اليهود وكراهتهم الموت وامتناعهم عن الإجابة إلى ما دعوا إليه من تمنّي الموت ، لعلمهم بأنّهم إن فعلوا ذلك فالوعيد بهم نازل والموت بهم حالّ ، ولمعرفتهم بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه رسول من الله إليهم مرسل وهم به مكذّبون ، وأنّه لم يخبرهم خبرا إلّا كان حقّا كما أخبر ، فهم يحذرون أن يتمنّوا الموت خوفا أن يحلّ بهم عقاب الله بما كسبت أيديهم من الذنوب.
[٢ / ٢٧٤٤] فعن سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عبّاس في قوله : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ) الآية قال : أي ادعوا بالموت على أيّ الفريقين أكذب ، فأبوا ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. يقول الله لنبيّه محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي لعلمهم بما عندهم من العلم بك والكفر بذلك.
[٢ / ٢٧٤٥] وعن أبي روق ، عن الضحّاك عن ابن عبّاس في قوله : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) يقول : يا محمّد ولن يتمنّوه أبدا لأنّهم يعلمون أنّهم كاذبون ، ولو كانوا صادقين لتمنّوه ورغبوا في التعجيل إلى كرامتي ، فليس يتمنّونه أبدا بما قدّمت أيديهم.
[٢ / ٢٧٤٦] وعن ابن جريج قال : وكانت اليهود أشدّ فرارا من الموت ، ولم يكونوا ليتمنّوه أبدا.
وأمّا قوله : (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) فإنّه يعني به بما أسلفته أيديهم. وإنّما ذلك مثل على نحو ما تتمثّل به العرب في كلامها ، فتقول للرجلّ ـ يؤخذ بجريرة جرّها أو جناية جناها فيعاقب عليها ـ : نالك هذا بما جنت يداك ، وبما كسبت يداك ، وبما قدّمت يداك ؛ فتضيف ذلك إلى اليد ، ولعلّ الجناية التي جناها فاستحقّ عليها العقوبة كانت باللسان أو بالفرج أو بغير ذلك من أعضاء جسده سوى اليد. وإنّما قيل ذلك بإضافته إلى اليد ؛ لأنّ عظم جنايات الناس بأيديهم ، فجرى الكلام باستعمال