إضافة الجنايات التي يجنيها الناس إلى أيديهم حتّى أضيف كلّ ما عوقب عليه الإنسان ممّا جناه بسائر أعضاء جسده إلى أنّها عقوبة على ما جنته يده ؛ فلذلك قال ـ جلّ ثناؤه ـ للعرب : (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) يعني به : ولن يتمنّى اليهود الموت بما قدّموا أمامهم من حياتهم من كفرهم بالله في مخالفتهم أمره وطاعته في اتّباع محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وما جاء به من عند الله ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة ، ويعلمون أنّه نبيّ مبعوث. فأضاف ـ جلّ ثناؤه ـ ما انطوت عليه قلوبهم وأضمرته أنفسهم ونطقت به ألسنتهم من حسد محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والبغي عليه ، وتكذيبه ، وجحود رسالته إلى أيديهم ، وأنّه مما قدّمته أيديهم. لعلم العرب معنى ذلك في منطقها وكلامها ، إذ كان ـ جلّ ثناؤه ـ إنّما أنزل القرآن بلسانها وبلغتها.
[٢ / ٢٧٤٧] وروي عن ابن عبّاس في ذلك ما رواه أبو روق ، عن الضحّاك عن ابن عبّاس في قوله : (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) يقول : بما أسلفت أيديهم.
[٢ / ٢٧٤٨] وعن ابن جريج في قوله : (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) قال : إنّهم عرفوا أنّ محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم نبيّ فكتموه.
***
وأمّا قوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) فإنّه يعني ـ جلّ ثناؤه ـ : والله ذو علم بظلمة بني آدم : يهودها ونصاراها وسائر أهل الملل غيرها ، وما يعملون. وظلم اليهود وكفرهم بالله في خلافهم أمره وطاعته في اتّباع محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد أن كانوا يستفتحون به وبمبعثه ، وجحودهم نبوّته وهم عالمون أنّه نبيّ الله ورسوله إليهم. (١)
[٢ / ٢٧٤٩] وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عبّاس في هذه الآية قال : قل لهم يا محمّد : (إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ) يعني الجنّة كما زعمتم (خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ) يعني المؤمنين (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) إنّها لكم خالصة من دون المؤمنين فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن كنتم في مقالتكم صادقين ، قولوا : اللهم أمتنا. فو الذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلّا غصّ بريقه فمات مكانه» ، فأبوا أن يفعلوا وكرهوا ما قال لهم ، فنزل (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) يعني عملته
__________________
(١) الطبري ١ : ٥٩٦ ـ ٥٩٩.