خلاق (لا حظّ ولا نصيب) لهم فيها :
(وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ) اكتسب لنفسه هذه المأساة (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ..) إذ افتقد كلّ رصيد له كاد ينفعه هناك لو كان لم يخسرها. فما أسوأ ما باعوا به أنفسهم لو كانوا يعلمون حقيقة الصفقة (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) : لو شعروا بموقفهم هذا الخاسر.
نعم لم يكن طريق النجاح منسدّا عليهم لو قصدوه لنالوا منه حظّهم الأوفر : لذّة الحياة وسعادة البقاء.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ). إنّ للإيمان بالله العظيم ، والتزام التقوى والتعهّد في السلوك ، لأثرا بيّنا في مباهج الحياة ويضمن سعادة الدارين ، لو شعروا بهذه الحقيقة اللائحة. حيث تطابق الوحي مع نداء الفطرة الصارخة.
***
وبعد فإليك من أحاديث السلف بشأن شعوذة الشياطين على عهد سليمان وما قيل بشأن هاروت وماروت المعبّر عنهما بالملكين في لسان اليهود وغير ذلك من أساطير مسطّرة وأكثرها مفتعلة عن لسان السلف الصالحين.
[٢ / ٢٨٣٦] أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصحّحه عن ابن عبّاس قال : إنّ الشياطين كانوا يسترقون السمع من السّماء ، فإذا سمع أحدهم بكلمة حقّ كذب عليها ألف كذبة فأشربتها قلوب الناس واتّخذوها دواوين ، فأطلع الله على ذلك سليمان بن داوود فأخذها فدفنها تحت الكرسيّ ، فلمّا مات سليمان قام شيطان بالطريق فقال : ألا أدلّكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه الممتع؟ قالوا : نعم. فأخرجوه فإذا هو سحر ، فتناسختها الأمم ، وأنزل الله عذر سليمان فيما قالوا من السحر فقال : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) الآية. (١)
[٢ / ٢٨٣٧] وأخرج النسائي وابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : كان آصف بن برخيا كاتب
__________________
(١) الدرّ ١ : ٢٣٣. سنن سعيد بن منصور ٢ : ٥٩٤ ـ ٥٩٥ / ٢٠٧ ؛ الطبري ١ : ٦٣٠ ـ ٦٣١ / ١٣٨٢ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٨٧ / ٩٨٩ ؛ الحاكم ٢ : ٢٦٥.