فأخبروهم أنّ هذا علم كان يكتمه سليمان ويستأثر به. فعذر الله نبيّه سليمان وبرّأه من ذلك ، فقال جلّ ثناؤه : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا). (١)
[٢ / ٢٨٤٤] وأخرج ابن جرير عن أسباط عن السدّي قال : كانت الشياطين تصعد إلى السماء ، فتقعد منها مقاعد للسمع ، فيستمعون من كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت أو غيث أو أمر ، فيأتون الكهنة فيخبرونهم ، فتحدّث الكهنة الناس فيجدونه كما قالوا ، حتّى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم ، فأدخلوا فيه غيره فزادوا مع كلّ كلمة سبعين كلمة. فاكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب وفشا في بني إسرائيل أنّ الجنّ تعلم الغيب. فبعث سليمان في الناس ، فجمع تلك الكتب فجعلها في صندوق ، ثمّ دفنها تحت كرسيّه ، ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسيّ إلّا احترق ، وقال : «لا أسمع أحدا يذكر أنّ الشياطين تعلم الغيب إلّا ضربت عنقه». فلمّا مات سليمان ، وذهبت العلماء الّذين كانوا يعرفون أمر سليمان ، وخلف من بعدهم خلف ، تمثّل الشيطان في صورة إنسان ، ثمّ أتى نفرا من بني إسرائيل ، فقال : هل أدلّكم على كنز لا تأكلونه أبدا؟ قالوا : نعم. قال : فاحفروا تحت الكرسيّ! وذهب معهم فأراهم المكان. فقام ناحية ، فقالوا له : فادن! قال : لا ولكنّي هاهنا في أيديكم ، فإن لم تجدوه فاقتلوني. فحفروا فوجدوا تلك الكتب ، فلمّا أخرجوها قال الشيطان : إنّ سليمان إنّما كان يضبط الإنس والشياطين والطير بهذا السحر. ثمّ طار فذهب. وفشا في الناس أنّ سليمان كان ساحرا واتّخذت بنو إسرائيل تلك الكتب. فلمّا جاءهم محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصموه بها ، فذلك حين يقول : (وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ). (٢)
[٢ / ٢٨٤٥] وقال مقاتل بن سليمان : (وَاتَّبَعُوا) يعني اليهود (ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) يعني ما تلت الشياطين على عهد سليمان وفي سلطانه. وذلك أنّ طائفة من الشياطين كتبوا كتابا فيه سحر فدفنوه في مصلّى سليمان حين خرج من ملكه ووضعوه تحت كرسيّه ، فلمّا توفّي سليمان
__________________
(١) الطبري ١ : ٦٣١ / ١٣٨٣ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٨٧ / ٩٩٢ ، إلى قوله : وعلّموهم إيّاه.
(٢) الطبري ١ : ٦٢٣ ـ ٦٢٤ / ١٣٦٦ ؛ الثعلبي ١ : ٢٤٤ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٨٦ / ٩٨٧ ؛ البغوي ١ : ١٤٧ ـ ١٤٨ ؛ ابن كثير ١ : ١٣٩ ـ ١٤٠ ؛ أبو الفتوح ٢ : ٧٤ ـ ٧٥.