قد يفتتن به من لا رجاحة لعقله ولم يكن له قلب سليم ، فيزلّ ويقع في تيه الضلال.
وقوله : (فَلا تَكْفُرْ) أي لا تفتتن به كما افتتن السحرة وضلّوا حين نسبوا التأثيرات للآلهة ، وقد علمت سرّها الذي كشفناه لك! فمعنى (فَلا تَكْفُرْ) : لا تعجل باعتقاد ذلك ، فإنّك إذا توغّلت في معارف السحر وكشفت رموزه ، علمت أنّها معلولة لعلل من خصائص النفوس أو خصائص الأشياء. فالفتنة تحصل لمن يتعلّم السحر حين يرى ظواهره وعجائبه على أيدي السحرة ولمن كان في مبدء التعليم ، ولكنّه إذا تحقّق في علمه اندفعت الفتنة. (١)
وقال السيّد رشيد رضا : تلك أوهام وأكاذيب على نبيّ الله سليمان عليهالسلام افتجرها بعض الدجّالين من اليهود ووسوسوا بها إلى بعض المسلمين فصدّقوهم في بعض ما زعموه من حكايات السحر ، وكذّبوهم فيما رموا به سليمان من الكفر.
وإنّك لترى دجاجلة المسلمين إلى اليوم يتلون أقساما وعزائم ، ويخطّون خطوطا وطلاسم ، ويسمّون ذلك خاتم سليمان وعهوده ، ويزعمون أنّها تقي حاملها من اعتداء الجنّ ومسّ العفاريت ولقد رأيت شيئا من ذلك أيّام حداثتي وكنت أصدّقه واعتقد بفائدته!!
وقد زعم اليهود أنّ سليمان سحر ودفن السحر تحت كرسيّة ، وأنّه أضاع خاتمه الذي كان به ملكه ، فوقع في يد آخر وجلس مجلسه إلى آخر ما خلطوا فيه التاريخ بالدّجل. وروي عنهم أنّ سليمان هو الّذي جمع كتب السحر من الناس ودفنها تحت كرسيّه ثمّ استخرجها الناس وتناقلوه
قال : ومن البديهي أنّ ذكر القصّة في القرآن لا يقتضي أن يكون كلّ ما يحكى فيها عن الناس صحيحا ، فذكر السحر في هذه الآيات لا يستلزم إثبات ما يعتقد الناس منه ، كما أنّ نسبة الكفر إلى سليمان ـ التي علمت من النفي ـ لا تستلزم أن تكون صحيحة ، ولو لم تذكر في سياق النفى!
قال الأستاذ الإمام محمّد عبده ما مثاله : بيّنّا غير مرّة أنّ القصص جاءت في القرآن لأجل الموعظة والاعتبار ، لا لبيان التاريخ ولا للحمل على الاعتقاد بجزئيّات الأخبار عند الغابرين ، وإنّه ليحكي من عقائدهم الحقّ والباطل ، ومن تقاليدهم الصادق والكاذب ، ومن عاداتهم النافع والضارّ ،
__________________
(١) راجع : المصدر : ٢٢٥ ـ ٢٢٦.