أن ينكرها من يدّعي أنّ السحر حيلة وشعوذة أو غير ذلك ، ولا يستطيع أن يردّها من يدّعي أنّه من خوارق العادات!
قال : في «الملكين» قراءتان : فتح اللام وكسرها. وحمل بعضهم قراءة الفتح على قراءة الكسر. ويؤيّده ما قيل : إنّ المراد بهما : رجلان صاحبا وقار وسمت ، فشبّها بالملائكة ، وكان يؤمّهما الناس بالحوائج الأهليّة ويجلّونهما أشدّ الإجلال فشبّها بالملوك. وتلك عادة الناس فيمن ينفرد بالصفات المحمودة ؛ يقولون : هذا ملك وليس بإنسان. كما يقولون فيمن كان سيّدا عزيزا لا غنى للناس من الرجوع إليه : هذا سلطان زمانه.
قال الأستاذ الإمام : لعلّ الله تعالى سمّاهما ملكين ـ بفتح اللام ـ حكاية لاعتقاد الناس فيهما ، وأجاز أيضا كون إطلاق لفظ الملكين عليهما مجازا ، كما قال بعض المفسّرين. (١)
***
وهكذا ذكر الأستاذ محمّد جمال الدين القاسمي ، قال : والذي ذهب إليه المحقّقون أنّ هاروت وماروت كانا رجلين متظاهرين بالصلاح والتقوى في بابل ، وكانا يعلّمان الناس السحر. وبلغ حسن اعتقاد الناس بهما أن ظنّوا أنّهما ملكان من السماء ، وأنّ ما يعلّمانه للناس هو وحي من الله. (٢)
وللأستاذ أحمد مصطفى المراغي توضيح لهذا الجانب ، لخّص فيه ما ذكره شيخه الأستاذ محمّد عبده قال : والملكان في هذه الآية هما رجلان شبّها ، إمّا بالملائكة ، لانفرادهما بصفات محمودة ، وقد جرت العادة أن يقولوا : هذا ملك وليس ببشر (٣). وإمّا بالملوك ـ في قراءة كسر اللام ـ كما يقال لمن كان سيّدا عزيزا يظهر الغنى عن الناس : هذا من الملوك. وكان الناس في عهد هاروت وماروت كحالهم اليوم لا يقصدون للفصل في شؤونهم الروحيّة إلّا أهل السمت والوقار ، الّذين يلبسون لباس أهل الصلاح والتقوى. (٤)
__________________
(١) راجع : تفسير المنار ١ : ٣٩٨ ـ ٤٠٢.
(٢) تفسير القاسمي ١ : ٣٣٩.
(٣) كما في قوله تعالى ـ حكاية عن نسوة مصر ـ : (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) (يوسف ١٢ : ٣١).
(٤) تفسير المراغي ١ : ١٨١.