جهدا أن يختاروا ، فاختاروا هاروت وماروت فنزلا ، فألقى الله عليهم الشبق. قلت : وما الشبق؟ قال : الشهوة. فجاءت امرأة يقال لها الزهرة ، فوقعت في قلوبهما ، فجعل كلّ واحد منهما يخفي عن صاحبه ما في نفسه ، ثمّ قال أحدهما للآخر : هل وقع في نفسك ما وقع في قلبي؟ قال : نعم ، فطلباها لأنفسهما فقالت : لا أمكّنكما حتّى تعلّماني الاسم الذي تعرجان به إلى السماء وتهبطان. فأبيا ، ثمّ سألاها ، أيضا فأبت ففعلا ، فلمّا استطيرت طمسها الله كوكبا وقطع أجنحتهما ، ثمّ سألا التوبة من ربّهما فخيّرهما فقال : إن شئتما رددتكما إلى ما كنتما عليه فإذا كان يوم القيامة عذّبتكما ، وإن شئتما عذّبتكما في الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة رددتكما إلى ما كنتما عليه. فقال أحدهما لصاحبه : إنّ عذاب الدنيا ينقطع ويزول ، فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة. فأوحى الله إليهما : أن ائتيا بابل. فانطلقا إلى بابل ، فخسف بهما فهما منكوسان بين السماء والأرض معذّبان إلى يوم القيامة». (١)
[٢ / ٢٨٧٣] وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق موسى بن جبير عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أشرفت الملائكة على الدنيا فرأت بني آدم يعصون فقالت : يا ربّ ما أجهل هؤلاء! ما أقلّ معرفة هؤلاء بعظمتك! فقال الله : لو كنتم في مسالخهم لعصيتموني. قالوا : كيف يكون هذا ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك؟ قال : فاختاروا منكم ملكين ، فاختاروا هاروت وماروت ، ثمّ أهبطا إلى الأرض وركّبت فيهما شهوات مثل بني آدم ، ومثّلت لهما امرأة فما عصما حتّى واقعا المعصية ، فقال الله : اختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ، فنظر أحدهما إلى صاحبه قال : ما تقول فاختر؟ قال : أقول إنّ عذاب الدنيا ينقطع وإنّ عذاب الآخرة لا ينقطع ، فاختارا عذاب الدنيا فهما اللّذان ذكر الله في كتابه : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) الآية». (٢)
__________________
(١) الدرّ ١ : ٢٣٨ ؛ الطبري ١ : ٦٤٢ ؛ الخطيب ٨ : ٤٢ ـ ٤٣ ؛ وابن أبي حاتم أخرجه عن مجاهد ١ : ١٩٠ ـ ١٩١ / ١٠٠٧.
(٢) الدرّ ١ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ؛ الشعب ١ : ١٨٠ ـ ١٨١ / ١٦٣ ؛ الطبري ١ : ٦٣٩ ـ ٦٤٠ / ١٤٠١ ، رواه عن ابن عمر عن كعب ، فذكر الحديث ؛ القرطبي ٢ : ٥١ ـ ٥٢ ؛ بمعناه عن ابن مسعود وابن عبّاس وابن عمر وكعب الأحبار والسدّي والكلبي ، وبعد نقل الخبر عن هؤلاء المذكورين قال : وقال سالم عن أبيه عبد الله : فحدّثنى كعب أنّهما لم يستكملا يومهما حتّى عملا بما حرّم الله عليهما ؛ كنز العمّال ٢ : ٣٦٦ ـ ٣٦٧ / ٤٢٦٩.