[٢ / ٢٨٧٤] وأخرج ابن جرير عن أسباط ، عن السدّي : أنّه كان من أمر هاروت وماروت أنّهما طعنا على أهل الأرض في أحكامهم ، فقيل لهما : إنّي أعطيت ابن آدم عشرا من الشهوات فبها يعصونني! قال هاروت وماروت : ربّنا لو أعطيتنا تلك الشهوات ثمّ نزلنا لحكمنا بالعدل! فقال لهما :
انزلا فقد أعطيتكما تلك الشهوات العشر فاحكما بين الناس! فنزلا ببابل دنباوند ، فكانا يحكمان ، حتّى إذا أمسيا عرجا ، فإذا أصبحا هبطا. فلم يزالا كذلك حتّى أتتهما امرأة تخاصم زوجها ، فأعجبهما حسنها واسمها بالعربية : «الزّهرة» ، وبالنبطية : «بيدخت» ، واسمها بالفارسية : «ناهيد» ، فقال أحدهما لصاحبه : إنّها لتعجبني! فقال الآخر : قد أردت أن أذكر لك فاستحييت منك. فقال الآخر : هل لك أن أذكرها لنفسها؟ قال : نعم ، ولكن كيف لنا بعذاب الله؟ قال الآخر : إنّا نرجو رحمة الله. فلمّا جاءت تخاصم زوجها ذكرا إليها نفسها ، فقالت : لا حتّى تقضيا لي على زوجي ، فقضيا لها على زوجها. ثمّ واعدتهما خربة من الخرب يأتيانها فيها ، فأتياها لذلك ، فلمّا أراد الذي يواقعها ، قالت : ما أنا بالذي أفعل حتّى تخبراني بأيّ كلام تصعدان إلى السّماء؟ وبأيّ كلام تنزلان منها؟ فأخبراها فتكلّمت فصعدت. فأنساها الله ما تنزل به فبقيت مكانها وجعلها كوكبا ـ فكان عبد الله بن عمر كلّما رآها لعنها وقال : هذه التي فتنت هاروت وماروت ـ فلمّا كان الليل أرادا أن يصعدا فلم يستطيعا فعرفا الهلاك فخيّرا بين عذاب الدّنيا والآخرة فاختارا عذاب الدنيا من عذاب الآخرة فعلّقا ببابل فجعلا يكلّمان الناس كلامهما وهو السحر؟! (١)
[٢ / ٢٨٧٥] وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس قال : إنّ هاروت وماروت أهبطا إلى الأرض ، فإذا أتاهما الآتي يريد السحر نهياه أشدّ النهي ، وقالا له : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) وذلك أنّهما علّماه الخير والشرّ والكفر والإيمان ، فعرّفناه أنّ السحر من الكفر ، فإذا أبى عليهما أمراه أن يأتي مكان كذا وكذا ، فإذا أتاه عاين الشيطان فعلّمه ، فإذا تعلّمه خرج منه النور ، فينظر إليه ساطعا في السماء!
__________________
(١) الطبري ١ : ٦٤٠ ـ ٦٤١ / ١٤٠٢ ؛ ابن كثير ١ : ١٤٣ و ١٤٥ ـ ١٤٦. قال : رجاله ثقات ؛ البغوي ١ : ١٥١ عن الكلبي والسدّي ؛ الثعلبي ١ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ؛ الحاكم ٢ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ و ٤ : ٦٠٧ ـ ٦٠٨ وصحّحه ؛ كنز العمّال ١٠ : ٢٧٦ / ٢٩٤٣٤ ؛ العظمة ٤ : ١٢٢٣ ـ ١٢٢٤ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٨٣ / ٩٨ ؛ سنن سعيد بن منصور ٢ : ٥٨١ ـ ٥٨٢ / ٢٠٥ ؛ القمّي ١ : ٥٤ ـ ٥٥.