التوبة إلى متى تقبل؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا أخا العرب إنّ بابها مفتوح لابن آدم لا يسدّ حتّى تطلع الشمس من مغربها ، وذلك قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) وهو طلوع الشمس من مغربها (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً)(١).
ثمّ قال الإمام موسى بن جعفر عليهالسلام : وكانت هذه اللفظة : «راعنا» من ألفاظ المسلمين الّذين يخاطبون بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقولون : راعنا ، أي إرع أحوالنا ، واسمع منّا كما نسمع منك. وكان في لغة اليهود. معناها : اسمع ، لا سمعت. فلمّا سمع اليهود المسلمين يخاطبون بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقولون : راعنا ويخاطبون بها ، قالوا : إنّ كنّا نشتم محمّدا إلى الآن سرّا ، فتعالوا الآن نشتمه جهرا! وكانوا يخاطبونه ويقولون : راعنا ، ويريدون شتمه. ففطن لهم سعد بن معاذ الأنصاري ، فقال : يا أعداء الله ، عليكم لعنة الله ، أراكم تريدون سبّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتوهمونا أنّكم تجرون في مخاطبته مجرانا ، والله لا سمعتها من أحد منكم إلّا ضربت عنقه ، ولو لا أنّي أكره أقدم عليكم قبل التقدّم والاستيذان له لضربت عنق من قد سمعته منكم يقول هذا. فأنزل الله : يا محمّد (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ) إلى قوله (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً)(٢). وأنزل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا) يعني فإنّها لفظة يتوصّل بها أعداؤكم من اليهود إلى شتم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وشتمكم. (وَقُولُوا انْظُرْنا ،) أي قولوا بهذه اللفظة ، لا بلفظة راعنا ، فإنّه ليس فيها ما في قولكم : راعنا ، ولا يمكنهم أن يتوصلوا بها إلى الشتم كما يمكنهم بقولهم راعنا (وَاسْمَعُوا) إذا قال لكم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قولا وأطيعوا. (وَلِلْكافِرِينَ) يعني اليهود الشاتمين لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (عَذابٌ أَلِيمٌ) وجيع في الدنيا إن عادوا بشتمهم ، وفي الآخرة بالخلود في النار.» (٣)
__________________
(١) الأنعام : ٦ : ١٥٨.
(٢) النساء : ٤ : ٤٦.
(٣) تفسير الإمام عليهالسلام : ٤٧٧ ـ ٤٧٩ / ٣٠٥ ؛ البرهان ١ : ٢٩٩ ـ ٣٠٠ / ١ ؛ البحار ٩ : ٣٣١ ـ ٣٣٢ / ١٨ ، باب ٢.