فإنّ القديم لا يصلح علاجا لمشاكل حاضرة ، وإنّما ينفعها شرع جديد. وهو خير لها.
أو هي مثلها ، إذا ما لوحظ كلّ في ظرفه. فالقديم للقديم والجديد للجديد .. فهذا الجديد مثل القديم ، في كونه علاجا لمشاكل حاضرتها.
وهذا كلّه يدلّ على حكمة بالغة لاحظها الشارع الحكيم لأنّه القادر على كلّ شيء والمالك لكلّ شيء من أرض وسماء وما بينهما أجمع وأن ليس هناك لكافّة الخلائق ، وليّ يتولّى شؤونهم في الحياة ، ولا نصير ينصرهم عند الموبقات.
(أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ).
والخطاب هنا للمؤمنين يحمل رائحة التحذير ، ورائحة التذكير بأنّ الله هو وليّهم وناصرهم ، وليس من دونه وليّ ولا نصير فلا يتولّوا غيره ولا يأملوا النصر إلّا من عنده. فإنّ في ذلك الفوز والنجاح والسعادة في الحياة.
***
والفرق بين النسخ والإنساء : أنّ النسخ فيما لو كان المنسوخ معهودا بعد ، وأمّا الإنساء فنسخ لشرع تقادم عهده وذهب عن الأذهان ، فخلفه شرع جديد ، وفق شرائط حاضرة ، كان أصلح وأتمّ.
ولكن جاء في أحاديث السلف ما ظاهره المنافاة.
[٢ / ٢٩٢١] أخرج ابن أبي حاتم عن طريق محمّد بن الزبير الحرّاني عن الحجّاج الجزري عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : كان ممّا ينزل على النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار ، فأنزل الله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها). (١)
ورواه ابن عساكر في ترجمة محمّد بن الزبير (٢). وهكذا ابن عدّي فيما ترجم له في الضعفاء ، وقال : منكر الحديث. (٣)
قلت : لا شكّ أنّه حديث منكر لا يرويه إلّا منكر الحديث.
[٢ / ٢٩٢٢] وأنكر منه ما أخرجه الطبراني عن سالم عن أبيه عبد الله بن عمر قال : قرأ رجلان من
__________________
(١) ابن أبي حاتم ١ : ٢٠٠ / ١٠٥٨ ؛ الدرّ ١ : ٢٥٤.
(٢) ابن عساكر ٥٣ : ٣٩ ؛ ابن كثير ١ : ١٥٥.
(٣) الكامل في الضعفاء ٦ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ / ٩٤ ـ ١٧١٥.