قال ابن الخطيب : ومن أعجب العجاب ادّعاؤهم أنّ بعض الآيات قد نسخت تلاوتها وبقي حكمها ، وهو قول لا يقول به عاقل إطلاقا! وذلك لأنّ نسخ أحكام بعض الآيات ـ مع بقاء تلاوتها ـ أمر معقول مقبول ، حيث إنّ بعض الأحكام لم ينزل دفعة واحدة ، بل نزل تدريجيّا ....
أمّا ما يدّعونه من نسخ تلاوة بعض الآيات ـ مع بقاء حكمها ـ فأمر لا يقبله إنسان يحترم نفسه ، ويقدّر ما وهبه الله تعالى من نعمة العقل ، إذ ما هي الحكمة في نسخ تلاوة آية مع بقاء حكمها؟! ما الحكمة في صدور قانون واجب التنفيذ ، ورفع ألفاظ هذا القانون مع بقاء العمل بأحكامه؟! ... (١).
وقال صدر الشريعة في كتابه «التوضيح» : منع بعض العلماء وجود المنسوخ تلاوة ، لأنّ النسخ حكم والحكم بالنصّ ، فلا انفكاك بينهما.
وفي كتاب «اللمع» في أصول الفقه لأبي إسحاق الشيرازي : وقالت طائفة : لا يجوز نسخ التلاوة مع بقاء الحكم ، لأنّ الحكم تابع للتلاوة ، فلا يجوز أن يرفع الأصل ويبقى التابع.
وقال الشيخ محمّد الخضري في كتابه «تاريخ التشريع الإسلامي» : لا يجوز أن يرد النسخ على التلاوة دون الحكم. وقد منعه بعض المعتزلة وأجازه الجمهور محتجّين بأخبار آحاد لا يمكن أن تقوم برهانا على حصوله. وأنا لا أفهم معنى لآية أنزلها الله تعالى لتفيد حكما ثمّ يرفعها مع بقاء حكمها! لأنّ القرآن يقصد منه إفادة الحكم والإعجاز بنظمه معا. فما هي المصلحة في رفع آية منه مع بقاء حكمها! إنّ ذلك غير مفهوم ، وقد أرى أنّه ليس هناك ما يدعو إلى القول به!
وقال الدكتور مصطفى زيد في كتابه «النسخ في القرآن الكريم» : ومن ثمّ يبقى «منسوخ التلاوة باقي الحكم» مجرّد فرض لم يتحقّق في واقعة واحدة ، ولهذا نرفضه ونرى أنّه غير معقول ولا مقبول.
وقال الدكتور محمّد سعاد : لا نستطيع الاقتناع بصحّة وجود المنسوخ تلاوة ، الثابت حكما ، لأنّ صفة القرآنيّة لا تثبت لنصّ إلّا بدليل قطعيّ ، والنسخ الوارد على القطعيّ لا بدّ أن يكون قطعيّا. فلا بدّ لإثبات كون النصوص المذكورة قرآنا منسوخا ، من دليلين قطعيّين ، أحدهما : دالّ على ثبوت القرآنيّة للنصّ ، وثانيهما : دالّ على زوال هذه الصفة. وواحد من الدليلين لم يقم لواحد من تلك النصوص ، فلا يتمّ كونه قرآنا منسوخا. فلا يصحّ عندنا في موضع الخلاف إلّا القول بثبوت النسخ في الحكم دون التلاوة.
__________________
(١) الفرقان لمحمّد محمّد عبد اللطيف المعروف بابن الخطيب : ١٥٦ ـ ١٥٧.