الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والتعبير بأنّها آية من كتاب الله مجاز ، ولو كان ما قاله عمر من باب الحقيقة لا المجاز ... (١).
وعبارته الأخيرة لا تخلو من طرافة بل وظرافة في التعبير أيضا ، لأنّه إيحاء إلى التباس التبس على عمر في هذا الحادث الجلل ، حيث اشتبه عليه طلاوة كلام الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بحلاوة كلامه تعالى فظنّ من أحدهما الآخر ، فبدلا من أن يشبّه كلامه صلىاللهعليهوآلهوسلم بكلام الله تعالى ويأخذه مجازا على سبيل الاستعارة ، أبدى اشتباهه في الأمر وظنّه حقيقة ، وهو وهم فاحش لا سيّما وإصراره عليه حتّى آخر أيّام حياته!
***
وأخيرا فقد تنبّه ابن حزم أيضا لخطئه في الدفاع الآنف ، فحاول تلبيس الأمر بشكل آخر ، قال : ولعلّ المراد بكلمة «آية» في قول عمر ، هو الحكم الشرعي ، باعتبار أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى)(٢). وليس مراده آية من نصّ الوحي القرآني. قال في كتابه «الأحكام» ما نصّه : قد قال قوم في آية الرجم ، إنّها لم تكن قرآنا ، وفي آية الرضعات كذلك ، ونحن لا نأبى هذا ، ولا نقطع أنّها كانت قرآنا متلوّا في الصلوات. ولكنّا نقول : إنّها كانت وحيا أوحاه الله إلى نبيّه كما أوحى إليه من قرآن ، فقرىء المتلوّ مكتوبا في المصاحف والصلوات ، وقرىء سائر الوحي منقولا محفوظا معمولا به كسائر كلامه الذي هو وحي فقط. (٣)
وقال في باب الرضاع من المحلّى : قالوا : قال الراوي : فمات عليه الصلاة والسّلام وهنّ ممّا يقرأ من القرآن ، قول منكر وجرم في القرآن ، ولا يحلّ أن يجوّز أحد سقوط شيء من القرآن بعد موت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم! فقلنا : ليس كما ظننتم ، إنّما معنى ذلك : أنّه ممّا يقرأ مع القرآن وممّا يقرأ من القرآن الذي بطل أن يكتب في المصاحف (٤). أي كان وحيا نظير القرآن غير أنّه لم يكن ممّا يكتب في المصحف.
إذن فقد رجع عن مسألة جواز نسخ التلاوة دون الحكم في القرآن ، ولا بدّ من الرجوع!
وإليك تصريحات أهل التحقيق من العلماء في إنكار هذا النوع من النسخ :
__________________
(١) فتح المنّان : ٢٢٤ ـ ٢٢٦.
(٢) النجم ٥٣ : ٤.
(٣) بنقل الأستاذ العريض في فتح المنّان : ٢٢٦ ـ ٢٢٧.
(٤) المحلّى ١٠ : ١٦ نقلا بالمعنى. وتقدّم تفصيله.