المحيطة بها ما يدعوها إلى البقاء وذلك مع حرّيتها في أن تخرج بعد أربعة أشهر وعشر ليال ، كالذي قرّرته آية سابقة. فالعدّة فريضة عليها. والبقاء حولا حقّ لها.
قال : وبعضهم يرى أنّ هذه الآية منسوخة بتلك .. ولا ضرورة لافتراض النسخ ، لاختلاف الجهة كما رأيت. فهذه تقرّر حقّا لها إن شاءت استعملته ، وتلك تقرّر حقّا عليها لا مفرّ منه. (١)
***
وهكذا أنكر بعض السلف أن تكون الآية منسوخة ، نظرا لعدم تناف بينها وبين آيات العدد والمواريث حيث الاعتداد بأربعة أشهر وعشرا حقّ عليها مفروض لا مفرّ لها منه. وأمّا الإمتاع إلى الحول فهو حقّ لها مسموح ، ولها الإعفاء.
ومن ثمّ حملوا قوله تعالى : (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ ...) على إرادة ما بعد انقضاء الأربعة أشهر وعشر ، أي العدّة المفروض عليها فكان لها بعد ذلك أن تستوفي مدّتها إلى تمام الحول أو تعفيها لأنّ ذلك حقّ لها محضا.
[٢ / ٢٩٥٠] أخرج أبو جعفر الطبري بالإسناد إلى مجاهد قال : التربّص أربعة أشهر وعشرا .. هذه للمعتدّة تعتدّ عند أهل زوجها ، واجبا ذلك عليها وأمّا الإمتاع إلى تمام الحول : سبعة أشهر وعشرين ليلة ، وصيّة ، إن شاءت سكنت في وصيّتها ، وإن شاءت خرجت .. قال : والعدّة كما هي واجبة (٢) أي لا مفرّ لها منها.
***
وقد تنظّر بعضهم فيما نقله أبو جعفر الطبري عن مجاهد ، واحتمل أن يكون مجاهد أراد غير هذا المعنى ، ممّا يتوافق مع المشهور. هكذا حسب ابن عطيّة قال : وألفاظ مجاهد التي حكاها الطبري لا يلزم منها أنّ الآية محكمة ، ولا نصّ مجاهد ذلك ، بل يمكن أنّه أراد : ثمّ نسخ ذلك بعد بالميراث. (٣)
وردّ عليه القرطبي قائلا : ما ذكره الطبري عن مجاهد صحيح ثابت.
[٢ / ٢٩٥١] خرّج البخاري بالإسناد إلى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : كانت هذه العدّة
__________________
(١) في ظلال القرآن ٢ : ٢١٢ ، مجلد ١ : ٣٧٨.
(٢) الطبري (ط بولاق) ٢ : ٣٦٢.
(٣) المحرّر الوجيز ١ : ٣٢٦.