وكانت الوصيّة للوالدين. فنسخ الله من ذلك ما أحبّ ، فجعل للذكر مثل حظّ الأنثيين ، وجعل للأبوين لكلّ واحد منهما السّدس والثّلث ، وجعل للمرأة الثّمن والرّبع ، وللزوج الشّطر والرّبع. (١)
***
هذا وقد تكلّم جمع من أفاضل العلماء في تواتر حديث «لا وصيّة لوارث» بل في صحّة إسناده فضلا عن إمكان نسخ القرآن به.
قال الإمام البيضاوي : وكان هذا الحكم في بدء الإسلام ، فنسخ بآية المواريث وبقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا وصيّة لوارث. قال : وفيه نظر ، لأنّ آية المواريث لا تعارضه بل تؤكّده ، من حيث أنّها تدلّ على تقديم الوصيّة مطلقا. والحديث من الآحاد ، وتلقّي الأمّة له بالقبول ، لا يلحقه بالمتواتر (٢).
ومن ثمّ نقل الزمخشري عن بعضهم : أنّها لم تنسخ ، والوارث يجمع له بين الوصيّة والميراث بحكم الآيتين. (٣)
قال الإمام محمّد عبده : إنّه لا دليل على أنّ آية المواريث نزلت بعد آية الوصيّة هنا ، وبأنّ السياق ينافي النسخ ، حيث اشتماله على التوثيق والتأكيد البالغ بأمر الوصيّة وأنّها حقّ على المتّقين ، وعقّبه بالوعيد لمن بدّله وغير ذلك من شواهد في نفس الآية تدلّ على أنّها شريعة تأسيس لا شريعة في عرضة الزوال.
قال : وبإمكان الجمع بين الآيتين ـ حسبما ذكره بعضهم ـ كما جوّز بعض السلف ، الوصيّة للوارث نفسه إذا أحوج من سائر الورثة. فيا ترى كيف يحتّم الحكيم الخبير اللطيف بعباده ، التساوي بين الفقير والغني من الورثة ، بحيث لا يدع مجالا للإيصاء بالتوفّر للمعوز منهم. ومن ثمّ قدّم الوصية على الميراث ، وأن يجعل الوالدين والأقربين المعوزين أولى بالوصيّة لهم في آية أخرى ـ كما هنا ـ لعلمه سبحانه بما يكون من تفاوت بينهم في الحاجة أحيانا ، إذن فلا تعارض آية المواريث آية الوصيّة ، حتّى تكون ناسخة لها.
وأمّا الحديث ، فقد حاولوا إلحاقه بالمتواتر ، بحجّة أنّ الأمّة تلقّته بالقبول.
ولعلّه مبالغة بشأن حديث لم يصل إلى درجة ثقة الشيخين به ، فلم يروه أحد منهما مسندا.
__________________
(١) البخاري ٦ : ٥٥. تفسير سورة النساء.
(٢) تفسير البيضاوي ١ : ٢١٥.
(٣) الكشّاف ١ : ٢٢٤.