ورواية أصحاب السنن محصورة في عمرو بن خارجة وأبي أمامة ، وفي إسناد الثاني إسماعيل بن عيّاش ، تكلّموا فيه. قال : وإنّما حسّنه الترمذي ، لأنّ إسماعيل يرويه عن الشاميّين وقد قوّى بعضهم روايته عنهم وحديث ابن عبّاس معلول ، إذ هو من رواية عطاء الخراساني كما قيل. وما روي غير ذلك فلا نزاع في ضعفه.
قال : فعلم أنّه ليس لنا رواية للحديث صحّحت إلّا رواية عمرو بن خارجة والذي صحّحها هو الترمذي ، وهو من المتساهلين في التصحيح وقد علمت أنّ البخاري ومسلم لم يرضياها ، فهل يقال : إنّ حديثا كهذا ، تلقّته الأمّة بالقبول؟! (١)
قلت : وعمرو بن خارجة هذا كان حليف أبي سفيان ورسوله إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يؤثر عنه حديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سوى هذا الحديث ـ وهو فذّ في نوعه ـ وقد تكلّموا في إسناده كثيرا. (٢)
وحديث هذا شأنه كيف ينسخ به قرآن ، أو كيف يصلح مستندا للمجمعين؟!
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : وفي الآية دلالة على أنّ الوصيّة جائزة للوارث. ومن خصّها بغير الوارث ـ لكفر أو قتل ـ فقد قال قولا بلا دليل ، (بعد صراحة الآية وتأكيدها البالغ). ومن ادّعى نسخها ، فهو مدّع لذلك (من غير أن يملك شاهدا يشهد له) فلا يسلم له نسخها ، فإن ادّعوا الإجماع على نسخها ، كان ذلك دعوى باطلة ، ونحن نخالف ذلك (بصراحة وصرامة). هذا وقد خالف في نسخها أناس ، كطاووس وأبي مسلم ، كما أنكر نسخها أبو جعفر الطبري بمثل ما قلنا ، فمع هذا الخلاف كيف يدّعى الإجماع على نسخها.
ومن ادّعى نسخها لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا وصيّة لوارث» فقد أبعد ، لأنّه خبر واحد ، وادّعاء أنّ الأمّة أجمعت على قبوله ، دعوى عارية من برهان ، وعلى فرض ثبوته فيحمل على إرادة الوصية بما زاد على الثلث.
وأمّا القول بأنّ ناسخها هي آية المواريث فقول بعيد عن الصواب ، لأنّ الشيء إنّما ينسخ غيره ، إذا لم يمكن الجمع بينهما ، وكان بينهما تناف ، في حين لا تنافي ولا تضادّ بين فرض الميراث ، والندب إلى الوصيّة لهم بالخصوص إذا علم منهم الاعوزاز. فلا موجب لحمل الآية على النسخ.
__________________
(١) المنار ٢ : ١٣٥ ـ ١٣٨.
(٢) راجع : الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر ٢ : ٥٣٤ / ٥٨٢٢.