نعم ، لو كان هناك إجماع على ترك الأخذ بظاهر الآية ، فإنّما هو بالنظر إلى فرض الوصيّة ، حيث لم يقل أحد بأنّها واجبة أمّا الندب إليها والترغيب إلى الإيصاء بشأن ذوي الحاجة من الأقربين ـ الوارثين منهم وغير الوارثين ـ فهذا لا ينفيه الإجماع والآية لا تدلّ على أكثر من ذلك ، فهي ثابتة الحكم ومحكمة المفاد أبدا (١).
قال العلّامة الطبرسيّ : والصحيح عند المحقّقين من أصحابنا أنّها غير منسوخة أصلا ، إذ لا منافاة بين آية الوصيّة وآية المواريث. وحديث «لا وصيّة لوارث» لم يصحّ عندنا. والإجماع ـ على الخلاف ـ لم يتحقّق. (٢)
***
وممّا قيل بنسخه أيضا قوله تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً. وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً)(٣).
قالوا : كانت المرأة إذا فجرت وقامت عليها الشهود حبست في بيت وهوجرت إلّا من يأتيها بطعام وشراب ، حتّى يتوفّاها الموت.
وكان الرجل إذا فجر أوذي بالتعيير والتعنيف حتّى يئوب ويتوب. قالوا : فنسختا بشريعة الحدود : الجلد والرجم.
وقد تظافر بذلك الأحاديث ، وأجمع عليه المفسّرون وحسبوا من الفحشاء هنا أنّه الزنا. وشذّ أبو مسلم وزعم أنّها في الآية الأولى هي المساحقة ، وفي الثانية هي اللواطة. (٤)
قال الطبرسي : وقول أبي مسلم مخالف للإجماع ولما عليه المفسّرون ، فإنّهم أجمعوا على أنّ المراد بالفاحشة هنا هو الزنا. (٥)
وقال الجصّاص : إنّ الأمّة لم تختلف في نسخ هذين الحكمين عن الزانيين. (٦)
__________________
(١) راجع : التبيان ٢ : ١٠٧ ـ ١٠٨.
(٢) مجمع البيان ١ : ٢٦٧.
(٣) النساء ٤ : ١٥ ـ ١٦.
(٤) ورجّحه الإمام عبده وارتآه. قال : فالحقّ أنّ ما ذهب إليه أبو مسلم هو الراجح في الآيتين. (المنار ٤ : ٤٣٩)
(٥) مجمع البيان ٣ : ٢٠.
(٦) أحكام القرآن ٢ : ١٠٧.