غير أنّ لنا كلاما في تفسير الفاحشة بالزنا خاصّة ، بعد أن تكرّر ذكرها في القرآن ، مرادا بها الكبائر الفاحشة العارمة ، والتي هي خرق لحريم الجماعة وهتك لحرمتها في نظامها القائم على أساس السلامة وحسن الاعتماد.
قال تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ)(١).
الفاحشة هنا هو هتك حريم الجماعة والخروج على سننهم المعروفة.
وأمّا ظلم النفس فهي الآثام التي تحطّ من كرامة الذات وتغضّ من شرفه التليد. والإنسان الواعي يلزمه التدارك لما فرط منه في كلا الجانبين ، فور تذكّره وقبل فوات الأوان.
وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٢).
السوء : الإثم الذي يعود وباله على مرتكبه بالذات. والفحشاء : هو الإثم العارم الهاتك لحريم النظام.
***
وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(٣). وقال : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ). (٤)
يا ترى! ماذا تنهى عنها الصلاة؟ هل هو خصوص الزنا ، أم هو كلّ إثم يعود وباله على سلامة النظام؟
وقال : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ. إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً)(٥).
نعم ، إنّه كان خرقا لحرمة أزواج الآباء ، وهنّ بمنزلة الأمّهات الأمر الذي كان مقتا (ممقوتا للغاية) وساء سبيلا. بئست الطريقة الجاهليّة العشواء.
__________________
(١) آل عمران ٣ : ١٣٥ ـ ١٣٦.
(٢) البقرة ٢ : ١٦٨ ـ ١٦٩.
(٣) النحل ١٦ : ٩٠.
(٤) العنكبوت ٢٩ : ٤٥.
(٥) النساء ٤ : ٢٣.