فقالوا : وإله موسى ، لقد أشربت قلوبكم حبّ محمّد.
فقال عمّار : ربّي أحمده ، وربّي أكرم محمّدا ، ومنه اشتق الجلالة ، إنّ محمّدا أحمد هو محمّد. ثمّ أتيا النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبراه ، فقال : ما رددتما عليهما؟ فقالا : قلنا : الله ربّنا ، ومحمّد رسولنا ، والقرآن إمامنا ، الله نطيع ، وبمحمّد نقتدي ، وبكتاب الله نعمل! فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أصبتما أخا الخير ، وأفلحتما فأنزل الله ـ عزوجل ـ يحذر المؤمنين : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) في التوراة أنّ محمّدا نبيّ ودينه الإسلام. ثمّ قال سبحانه : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) يقول اتركوهم واصفحوا. يقول وأعرضوا عن اليهود (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) فأتى الله ـ عزوجل ـ بأمره في أهل قريظة : القتل والسبي وفي أهل النضير الجلاء والنفي من منازلهم وجنّاتهم التي بالمدينة إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من القتل والجلاء (قَدِيرٌ). (١)
[٢ / ٢٩٩٥] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) قال : من بعد ما تبيّن لهم أنّ محمّدا رسول الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل نعته وأمره ونبوّته ، ومن بعد ما تبيّن لهم أنّ الإسلام دين الله الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) قال : أمر الله نبيّه أن يعفو عنهم ويصفح (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) فأنزل الله في براءة وأمره فقال : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ)(٢) الآية. فنسختها هذه الآية ، وأمره الله فيها بقتال أهل الكتاب حتّى يسلموا أو يقرّوا بالجزية. (٣)
[٢ / ٢٩٩٦] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عبّاس في قوله : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) وقوله : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)(٤) ونحو هذا في العفو عن المشركين قال : نسخ ذلك كلّه بقوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ)(٥) وقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
__________________
(١) تفسير مقاتل ١ : ١٣٠ ـ ١٣١.
(٢) التوبة ٩ : ٢٩.
(٣) الدرّ ١ : ٢٦٢ ؛ الطبري ١ : ٦٨٤ / ١٤٨٣ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٢٨٦ / ١٠٨ ، مختصرا.
(٤) الأنعام ٦ : ١٠٦.
(٥) التوبة ٩ : ٢٩.