مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ. فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ. وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ. وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ)(١).
***
قوله تعالى : (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) أي انشقّ البحر فلقتين عظيمتين. والفرق : القسم من الشيء. الفلق من الشيء المنفلق. الموجة. والطود : الجبل العظيم.
ويتبيّن من ذلك أنّ البحر تموّج تموّجا رهيبا بحيث تبدّى قعر البحر على أثر اعتلاء الموج. وهذا لا ينافي كونه خارقا للعادة ، على أثر معجزة ظهرت على يد موسى عليهالسلام ولو كان بسبب هبوب الرياح العاصفة الشديدة ، كما جاءت في التوراة. إذ لم يعهد أنّ الريح ـ مهما بلغت شدّتها ـ أن تعمل مثل هذا العمل في الخليج مرّة أخرى ولا سابقة لها أيضا.
قال الاستاذ عبد الوّهاب : المعجزة حاصلة حتّى مع فرض هبوب الرياح ، لأنّه لم يعهد أن عملت الريح ذلك في كلّ الدهر ـ سواء قبل الحادثة أو بعدها ـ سوى حين عبور بني إسرائيل فقط. وكفى به معجزة خارقة (٢).
ويذكر المفسّرون ـ هنا ـ تبعا لروايات غريبة الأسناد : أنّ البحر انفلق عن اثني عشر طريقا على عدد أسباط إسرائيل ، وحصل في طرفي كلّ طريق كوى ينظر بعضهم إلى بعض فلا يستوحشوا.
لكن لا شاهد لذلك في نصّ القرآن ولا ضرورة تدعو إليه. والروايات مع ضعف أسنادها غريبة المفاد ، على ما سنذكرها.
كما ذكروا أنّ فرعون توقّف عن تقحّم البحر ، لو لا أن جبرائيل ركب فرسا انثى وديقا ـ المهيّجة للفحل ـ وتقدّم فرس فرعون ليجذبه إلى الاقتحام وراءه .. فانجذب فرعون وجنوده ودخلوا البحر فكان ما كان. كلّ ذلك من أقاصيص القصّاصين لا أساس له معقولا. وإليك من هذه الآثار هي غريبة الأسناد غريبة المفاد.
***
أمّا اليوم الذي انفلق البحر فيه لموسى وبني إسرائيل فقيل : كان يوم عاشوراء!!
__________________
(١) الشعراء ٢٦ : ٦١ ـ ٦٦.
(٢) راجع : قصص القرآن لعبد الوهّاب النجّار : ٢٠٥ ـ ٢٠٦.