وقال فيه الكسائىّ (وَالْمُقِيمِينَ) موضعه خفض يردّ على قوله : (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) : ويؤمنون بالمقيمين الصلاة هم والمؤتون الزكاة.
قال : وهو بمنزلة قوله : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) (١) وكان النحويّون يقولون (الْمُقِيمِينَ) مردودة على (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) ـ إلى (الْمُقِيمِينَ») وبعضهم (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) ومن (الْمُقِيمِينَ) وبعضهم (مِنْ قَبْلِكَ) ومن قبل (الْمُقِيمِينَ).
وإنما امتنع من مذهب المدح ـ يعنى الكسائىّ ـ الذي فسّرت لك ، لأنه قال : لا ينصب الممدوح إلا عند تمام الكلام ، ولم (٢) يتمم الكلام فى سورة النساء. ألا ترى أنك حين قلت (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) ـ إلى قوله (وَالْمُقِيمِينَ) ـ و (الْمُؤْتُونَ) كأنك منتظر لخبره (٣) ، وخبره فى قوله (أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) والكلام أكثره على ما وصف الكسائىّ. ولكن العرب إذا تطاولت الصفة جعلوا الكلام فى الناقص وفى التامّ كالواحد ؛ ألا ترى أنهم قالوا فى الشعر :
حتى إذا قملت (٤) بطونكم |
|
ورأيتم أبناءكم شبّوا |
وقلبتم ظهر المجنّ لنا |
|
إنّ اللئيم العاجز الخبّ |
فجعل جواب (حتى إذا) بالواو ، وكان ينبغى ألا يكون فيه واو ، فاجتزئ بالإتباع ولا خبر بعد ذلك. وهذا أشدّ مما وصفت لك.
__________________
(١) آية ٦١ سورة التوبة.
(٢) فى الطبري : «لما».
(٣) فى ج وش : لخبرهم وخبرهم إلخ.
(٤) قلت بطونكم : كثرت قبائلكم. وقلب ظهر المجن ـ والمجن الترس ـ : المنابذة بالعداء والخب : اللئيم الماكر. والبيتان فى الإنصاف ١٨٩ ، والخزانة ٤ / ٤١٤ ، واللسان (قمل) من غير عزو.