وأمّا الذين رفعوا اللّام فإنهم أرادوا المثال الأكثر من أسماء العرب الذي يجتمع فيه الضمتان ؛ مثل : الحلم والعقب (١).
ولا تنكرنّ أن يجعل الكلمتان كالواحدة إذا كثر بهما الكلام. ومن ذلك قول العرب : «بأبا» إنما هو «بأبى» الياء من المتكلم ليست من الأب ؛ فلما كثر بهما الكلام توهّموا أنهما حرف واحد فصيّروها ألفا ليكون على مثال : حبلى وسكرى ؛ وما أشبهه من كلام العرب. أنشدنى أبو ثروان :
قال الجواري ما ذهبت مذهبا |
|
وعبننى ولم أكن معيّبا |
هل أنت إلّا ذاهب لتلعبا |
|
أريت إن أعطيت نهدا كعثبا (٢) |
أذاك أم نعطيك هيدا هيدبا (٣) |
|
أبرد فى الظّلماء من مسّ الصّبا |
فقلت : لا ، بل ذاكما يا بيبا (٤) |
|
أجدر (٥) ألّا تفضحا وتحربا |
«هل أنت إلّا ذاهب لتلعبا» (٦) ذهب ب «هل» إلى معنى «ما».
__________________
(١) العقب : العاقبة. ويقال فيه العقب بضم فسكون.
(٢) يصف الركب (أي الفرج). والنهد : المرتفع المشرف ؛ ومنه نهد الثدي (كمنع ونصر) نهودا ؛ إذا كعب وارتفع وأشرف. وكعثب نهد : ناتى مرتفع ؛ فإن كان لا صقا فهو هيدب. والكعثب والكثعب : الكرب الضخم الممتلى الشاخص المكتنز الناتئ. والكعثب أيضا صاحبته ؛ يقال : امرأة كعثب وكثعب ؛ أي ضخمة الركب.
(٣) الهيد الهيدب : الذي فيه رخاوة ؛ مثل ركب العجائز المسترخى لكبرها.
(٤) «يا بيبا» أصله : يا بأبى ، و «يا» للنداء المراد منه التنبيه ، وقد تستعمل فى موضعه «وا» كقول الراجز :
وا بأبى أنت وفوك الأشنب
(٥) فى الأصول : «أحذر» وهو تصحيف. «وتحربا» : أي تغضبا. وحرب كفرح : اشتدّ غضبه.
(٦) أعاد هذا الشطر ليتكلم على شىء فيه. يريد أن الغرض من الاستفهام النفي ؛ كقوله تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ).