فإذا لم تكن فيها (أنّهم) لم يستقم للظنّ ألّا يقع على شىء. ولو أراد : ولا يحسب الذين كفروا أنهم لا يعجزون لاستقام (١) ، ويجعل لا (صلة) كقوله : (وَحَرامٌ) (٢) (عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) يريد : أنهم يرجعون. ولو كان مع (سبقوا) (أن) استقام ذلك ، فتقول : ولا يحسب الذين كفروا أن سبقوا.
فإن قال قائل : أليس من كلام العرب عسيت أذهب ، وأريد أقوم معك ، و (أن) فيهما مضمرة ، فكيف لا يجوز أن تقول : أظن أقوم ، وأظن قمت؟ قلت :
لو فعل ذلك فى ظننت إذا كان الفعل للمذكور أجزته وإن كان اسما ؛ مثل قولهم : عسى (٣) الغوير أبؤسا ، والخلقة لأن (٤) ، فإذا قلت ذلك قلته فى أظن فقلت : أظن أقوم ، وأظن قمت ؛ لأن الفعل لك ، ولا يجوز أظن يقوم زيد ، ولا عسيت يقوم زيد ؛ ولا أردت يقوم زيد ؛ وجاز والفعل له لأنك إذا حوّلت يفعل إلى فاعل اتصلت به وهى منصوبة بصاحبها ، فيقول : أريد قائما ؛ والقيام لك. ولا تقول أريد قائما زيد ، ومن قال هذا القول قال مثله فى ظننت. وقد أنشدنى بعضهم لذى الرّمّة :
أظنّ ابن طرثوث عتيبة ذاهبا |
|
بعاديّتى تكذابه وجعائله (٥) |
__________________
(١) فيكون «أنهم لا يعجزون» سدّ مسدّ مفعولى «يحسبن». وجملة «سبقوا» حال.
(٢) آية ٩٥ سورة الأنبياء.
(٣) الغوير تصغير غار ، والأبؤس جمع بأس وهو العذاب ، أو بؤس وهو الشدّة. وهو مثل. وأصله أن قوما حذروا عدوّا لهم فاستكنوا منه فى غار ، فقال بعضهم مشفقا : عسى الغوير أبؤسا ، أي لعل البلاء يجىء من قبل الغار ، فكان كذلك ؛ فقد احتال العدوّ حتى دخل عليهم من صدع كان بالغار ، فأسروهم. وقيل : إن الغار انهار عليهم. وقد قيل فى المثل غير هذا.
(٤) كأنه يريد أن الأصل أن يقرن الخبر بأن ، فكانت الخلقة فى الخبر والطبيعة فيه لأن.
(٥) العادية : البئر القديمة. والجعائل جمع جعالة : وهى هنا الرشوة. كان ذو الرمة اختصم هو وابن طرثوث فى بئر وأراد أن يقضى له بها. ورواية الديوان ٤٧٣ : «لعل ابن طرثوث».