رجع الرسول فأخبرهم أقبَلوا يَهْزَؤون من قوله ، فقال له الفتح : هو واللّهِ أعلم بما قال ، وأحضر الكُسْب وعمل كلّ ما قال ووضع عليه ، فغلبه النوم وسكن ، ثمّ انفتح وخرج منه ما كان فيه وبُشّرت أُمّه بعافيته ، فحملت إليه بعشرة آلاف دينارٍ تحت خاتمها .
ثمّ استقلّ من علّته فسعى إليه البطحائي العلويّ بأنّ أموالاً تُحمل إليه وسلاحاً ، فقال لسعيد الحاجب : اهجم عليه بالليل وخذ ما تجد عنده من الأموال والسلاح واحمله إلَيَّ .
قال إبراهيم بن محمّد : فقال لي سعيد الحاجب : صِرتُ إلى داره باللّيل ومعي سُلّم فصعدت السطحَ ، فلمّا نزلتُ على بعض الدرج في الظُلمة لم أدرِ كيف أَصِلُ إلى الدار ، فناداني «يا سعيد ، مكانك حتّى يأتوك بشمعة» فلم أَلبث أن آتوني بشمعةٍ ، فنزلتُ فوجدتُه عليه جبّةُ صوفٍ وقلنسوةٌ منها وسجادة على حصيرٍ بين يديه ، فلم أشكّ أنّه كان يُصلّي ، فقال لي : «دونك البيوت» فدخلتها ففتشتها فلم أجد فيها شيئاً ، ووجدت البَدرةَ في بيته مختومةً بخاتم أُمّ المتوكّل وكيساً مختوماً ، وقال لي : «دونك المصلّى» فرفعته فوجدت سيفاً في جُفْنٍ غيرِ مُلبّسٍ ، فأخذتُ ذلك وصرت إليه ، فلمّا نظر إلى خاتم اُمّه على البَدرة بعث إليها فخرجت إليه ، فأخبرني بعضُ خدم الخاصّة أنّها قالت له : كنتُ قد نذرتُ في علّتك لمّا آيستُ منك إن عُوفيتَ حملتُ إليه من مالي عَشَرةَ آلاف دينارٍ ، فحملتُها إليه ، وهذا خاتمي على الكيسِ ، وَفَتَحَ الكيسَ الآخر فإذا فيه أربعمائة دينارٍ ، فَضُمّ إلى البَدرة بَدرةً أُخرى(١) وأمرني بحمل ذلك إليه ، فحملتُه ورددتُ السيفَ والكيسَيْن وقلت له : يا سيّدي عَزَّ علَيَّ (أي : اشتدّ علَيَّ ما أمرني به المتوكّل ، وما
____________________
(١) في «م» زيادة : ثانية .