أبي وما سمعتُ منه واستزدتُه في قوله وفعله ، فلم يكن لي هِمّة بعد ذلك إلاّ السؤال عن خبره والبحث عن أمره .
فما سألتُ أحداً من بني هاشم والقوّاد والكُتّاب والقُضاة والفقهاء وسائر الناس إلاّ وجدتُه عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحلّ الرفيع والقول الجميل ، والتقدّم له على جميع أهل بيته ومشايخه ، فَعَظُمَ قَدرُه عندي ؛ إذ لم أر له وليّاً ولا عدوّاً إلاّ وهو يحسن القول فيه والثناء عليه .
فقال له بعض الحضّار من الأشعريّين : يا أبا بكر ، فما خبر أخيه جعفر ـ يعني جعفر الكذّاب ـ فقال : مَنْ جعفر حتّى يُسأل عن خبره أو يُقْرنَ بالحسن؟! جعفر مُعلِنُ الفسق فاجر ماجن شرّيبٌ للخمور ، أقلّ مَنْ رأيتُه من الرجال وأهتَكُهمُ لنَفسِه ، خفيفٌ ، قليلٌ في نفسه ، ثمّ ساق الحديث في نقل وفاة أبي محمّد عليهالسلام ، واجتماع الناس على صلاته ودفنه وتألّمهم من وفاته ـ إلى أن قال ـ : فجاء جعفر بعدَ ذلك إلى أبي فقال : اجعل لي مرتبةَ أخي وأُوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألفَ دينارٍ ، فَزَبَرَه أبي وقال له : يا أحمق ، السلطانُ جرّد سيفَه في الذين زعموا أنّ أباك وأخاك أئمّة ، ليردّهم عن ذلك فلم يتهيّأ له ذلك ، فإن كنتَ عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى السلطان يُرتّبك مراتبهما ولا غير السلطان ، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تَنَلْها بنا ، واستضعفه أبي عند ذلك ، فأمر أن يُحجبَ عنه ، فلم يأذن له في الدخول عليه حتّى مات أبي ، وخرجنا وهو على تلك الحال ، والسلطان يطلب أثرَ ولدِ الحسن عليهالسلام ويفتّش عنه(١) .
____________________
(١) الكافي ١ : ٤٢١ / ١ (باب مولد أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهماالسلام ) ، الإرشاد للمفيد