والدي كثير الأسفار ، فحمّل مرّةً جِماله وسرت معه ، فطلبنا موضعاً فضللنا عن الطريق أيّاماً حتّى نفد زادنا وكدنا نتلف ، فأشرفنا على قباب وخيام من الأدم ، فخرجوا إلينا ، فحكينا لهم أمرنا .
فلمّا كان الظهر خرج شابّ(١) لم أر أحسن منه وجهاً ، ولا أعظم منه هيبةً ، ولا أجلّ قدراً حتّى كنّا لا نشبع من النظر إليه ، فصلّى بهم الظهر مسبلاً (كصلاة أهل العراق)(٢) ، فلمّا سلّم سلّم عليه والدي ، وحكى له قصّتنا ، فأقمنا أيّاماً ولم نر مثلهم ناساً ، لم يسمع عندهم هجر ولا لغو ، ثمّ طلبنا منه المسير فبعث معنا شخصاً فسار بنا ضحوة ، فإذا نحن بالموضع الذي نريده ، فسأله والدي عن الرجل مَنْ هو؟
فقال : هو المهديّ محمّد بن الحسن عليهماالسلام ، والموضع الذي هو فيه يقال له : كرعة ، ممّا يلي بلاد الحبشة من بلاد اليمن ، مسيرة عشرة أيّام مفازة بغير ماءٍ(٣) .
أقول : لا منافاة بين ما ذُكر ، وبين اقتضاء مصلحة اللّه وحكمته عدم خروج الإمام وظهوره على هذا الخلق الذين قصّروا في حقّ الأئمّة إلى أن يأتي زمان اقتضاء المصلحة لظهوره ، كما كان كذلك تأخير إغراق (فرعون وقومه وقوم نوح وأمثالهما)(٤) ، فإنّه هو الحكيم المختار العالم بالأسرار . وكذا لا منافاة بين ما ذُكر ، وبين ما ثبت من أنّه يظهر في أوّل ظهوره من مكّة ؛ ضرورة أنّه يخرج من الموضع الذي هو فيه حتّى يأتي مكّة ، وفيها يظهر أمره .
____________________
(١) في المصدر : «شيخ» بدل «شاب» .
(٢) بدل ما بين القوسين في المصدر هكذا : «كصلاتكم يا أهل العراق» .
(٣) الصراط المستقيم ٢ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ .
(٤) ما بين القوسين في «ن» هكذا : «قوم نوح عليه السلام وفرعون» .