البخاري أيضاً روى أنّها قالت لأبي بكر : «أترثُ أباك ولا أرث أبي! أين أنت من قوله عزّ وجلّ : (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)(١) ، وقول زكريّا : (فَهَبْ لِى مِنْ لَّدُنْكَ)(٢) (٣) الآية ، فَمنعُ أبي بكر من توريث فاطمة عليهاالسلام خلاف حكم القرآن ، ومن البيّن أنّ محض رواية أبي بكر المدّعي المتّهم الذي لم يكن معصوماً عن الخطأ والزلل في القول ، ولا مصوناً عن التوهّم والجهل في الفهم كما بيّنّا جميع ذلك ، ليس بقابلٍ لمعارضة ما في كتاب اللّه ، لاسيّما المذكور في مواضع عديدة منه كما هو ظاهر ؛ إذ مع قطع النظر عن سائر قرائن القدح لا شكّ في كون روايته خبراً واحداً ظنّي الورود ، بل ظنّي الدلالة أيضاً ، كما أشرنا إلى احتمالها معنى آخر ، ولم يقل أحد بجواز تخصيص القرآن بمثل هذه ، بل إنّما قال بعضهم بجواز التخصيص مهما يكون الخبر مسلّم الصحّة ، محكماً ، ناصّ الدلالة(٤) .
وكفى في هذا قول النبيّ صلىاللهعليهوآله المتواتر : «إذا جاءكم عنّي حديث فأعرضوه على كتاب اللّه فإن وافقه فاقبلوه وإلاّ فردّوه»(٥) ، على أنّ هذا الخبر ممّا كذّبته فاطمة عليهاالسلام صريحاً ، بل عليّ عليهالسلام والعبّاس أيضاً ، كما ظهر ممّا مرّ من قول فاطمة عليهاالسلام لأبي بكر : «أترث أباك ولا أرث أبي لقد
____________________
(١) سورة النمل ٢٧ : ١٦ .
(٢) سورة مريم ١٩ : ٥ .
(٣) لم نعثر عليه في صحيح البخاري ، نقله عنه البياضي في الصراط المستقيم ٢ : ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، والشيرازي في الأربعين : ٥١٤ .
(٤) انظر : الإحكام في أُصول الأحكام ١ ـ ٢ : ٥٢٧ ، روضة الناظر وجنّة المناظر ٢ : ٧٢٧ .
(٥) التهذيب ٧ : ٢٧٥ / ١١٦٩ ، الاستبصار ٣ : ١٥٨ / ٥٧٣ ، الصراط المستقيم ٢ : ٢٨٣ ، الصوارم المهرقة : ١٥٦ ، الأربعين للشيرازي : ٥١٤ ، وانظر : التفسير الكبير للرازي ١٠ : ١٤٨ ، المحصول في علم الأصول ٤ : ٤٣٨ ، أصول السرخسي ١ : ٣٦٥ و٢ : ٦٧ ـ ٦٨ ، الإحكام في أصول الأحكام ١ ـ ٢ : ٥٢٦ .