على أنّهم وإن سكتوا عن الإنكار على أبي بكر سكتوا عن الإنكار على هؤلاء أيضاً ، حتّى أنّهم لم يتكلّموا بما فيه الإصلاح ورفع المنازعة ولو على أحد الوجوه التي أشرنا إليها .
هذا ، مع أنّ حال أكثر الناس ـ كما بيّنّاه مفصّلاً في أبواب المقدّمة ـ الميل إلى الباطل وما فيه صلاح دنياهم .
وكفى في هذا خروج عالم كثير من الصحابة وغيرهم مع عائشة ، فلو كان عدم إنكارهم حجّة مطلقاً لزم كون عائشة محقّة ، وأمثال هذا كثير ، فكيف يمكنه الحكم بكون سكوتهم دليل صدقه .
هذا مع أنّ كلّ من تتبّع آثار الأنبياء السابقين ـ كما هي مذكورة في كتب الأُمم السالفة وغيرها ـ علم قطعاً أنّ حالهم كان في التوريث كحال غيرهم ، ولم يظهر عدم التوريث من أحد منهم ، بل يظهر صريحاً التوريث من جمعٍ منهم كأيّوب ويعقوب وشعيب [عليهمالسلام] وغيرهم حتّى إسماعيل عليهالسلام أيضاً ، من أراد تفصيل ذلك فعليه بمراجعة كتب قصص الأنبياء وصحف اليهود والنصارى ، وحيث إنّ ساحة طهارة النبيّ صلىاللهعليهوآله متعالية عن التلوّث بالكذب ، فهو من الرجل الذي نقله عنه على أنّه لا وجه أيضاً لأن يكون مثل هذا الخبر موجوداً ، ولم يسمعه غير أبي بكر حتّى نساء النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وفاطمة وعليّ عليهماالسلام ، مع كونهم مداومين في ملازمة النبيّ صلىاللهعليهوآله .
وبالجملة : كيف لم يبيّن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله هذا الحكم لورثته مع وجود قوله تعالى : (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(١) ويخبر به رجلاً يعلم أنّه إذا أخبرهم به لم يصدّقوه .
____________________
(١) سورة الشعراء ٢٦ : ٢١٤ .