الأنبياء والأولياء ، وإن اُريد بها علم الشريعة وأحكامها فالنبيّ إنّما بُعث لإذاعة ذلك العلم ونشره في الناس ، فكيف يخاف من الأمر الذي هو الغرض من بعثته .
قال : فإن قيل : إنّ مثل هذا يرجع عليكم في وراثة المال ؛ لأنّ في ذلك إضافة البخل والضنّة إلى نبيّ اللّه ، قلنا : معاذ اللّه أن يستوي الأمران ، فإنّ المال قد يرزقه المؤمن والكافر والصالح والطالح ، ولا يمتنع أن يحرم أحد بني عمّه إذا كانوا من أهل الفساد ، أو يخاف أنّهم لو ظفروا بماله صرفوه فيما لا ينبغي ، بل في ذلك غاية الحكمة ، فإنّ تقوية الفسّاق وإعانتهم على أفعالهم المذمومة محظورة في الدين ، فمن عدّ ذلك بخلاً فقد خرج عن جادّة الإنصاف .
قال : ومن قوله : (خِفْتُ الْمَوَالِيَ) يُفهم أنّ خوفه إنّما كان من سوء أخلاقهم وأفعالهم لا من أعيانهم ، كما أنّ من خاف اللّه فإنّما يخاف عقابه ، فالمراد إنّي خفت تضييع الموالي مالي ، وإنفاقهم إيّاه في معصية اللّه عزّ وجلّ ، قال : وأيضاً كيف يتحقّق إرث العلم والشرع وهو انتقال أمر من محلّ إلى محلّ آخر ، وقد استدلّ أهل السُّنّة على تكفير النصارى في قولهم بانتقال اُقنوم العلم والحياة إلى عيسى عليهالسلام ، بأنّ تلك الأقانيم القديمة عندهم ذوات مستندين ، بأنّ المستقلّ بالانتقال لا يكون إلاّ الذات دون الأعراض والصفات ، صرّح بذلك التفتازاني في شرح العقائد(١) وغيره في غيره(٢) . انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه . ومتانة عامّة ما ذكره واضحة لدى كلّ ذي أدنى فراسة ، فافهم .
____________________
(١) شرح العقائد النسفية : ١٠٢ .
(٢) انظر : الصوارم المهرقة : ١٦٥ ـ ١٦٨ بتقديم وتأخير .