وفي ضعف سند الثالث وجود « محمّد بن فضيل بن غزوان » وهو ضعيف (١).
أضف إلى ذلك أنّ جمعاً من الحفّاظ عدّوا أصل الحديث من الموضوعات. منهم سراج الدين القزويني قال : إنّه موضوع وتعقّبه ابن حجر (٢).
وقال أبوحاتم : « هذا الحديث باطل » ، وقال النسائي : « هذا الحديث باطل كذب » ، وقال ابن الجوزي : « حديث لعن القدريّة لا شكّ في وضعه » (٣).
هذا وضع السند ، وأمّا الدلالة ، فقد اختلف النّظر في مفاده ، كلّ من المجبّرة والعدليّة يتبرّأ منه ، ويريد تطبيقه على خصمه. فأهل الحديث والحشويّة والسلفيّة والأشعريّة الّذين يتّسمون بسمة الجبرالجليّ أو الخفي ، يفسّرون القدريّة بنفاة القدر ، من باب إطلاق الشيء وإرادة نقيضه ، والمعتزلة وأسلافهم ، أعني دعاة الحريّة والاختيار يتّهمون الجبرية بالقدريّة ، لأنّهم قائلون بالقدر والتقدير ، وأنّ كل شيء يتحقّق بتقدير من الله سبحانه ولا محيص عمّا قدّر وقُضي.
وهناك كلمة للعلاّمة محمّد بن علي الكراجكي ( م ٤٤٩ ) من تلاميذ الشيخ المفيد لا بأس بنقلها ، قال : « ولم نجد في أسماء الفرق ما ينكره أصحابه ويتبرّأ منه سوى القدرية ».
فأهل العدل يقولون لأهل الجبر : أنتم « القدريّة » ، وأهل الجبر يقولون لأهل العدل : « أنتم القدريّة » ، وإنّما تبرّأ الجميع من ذلك لأنّهم رووا ـ من طريق أبي هريرة ـ عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه لعن القدرية وقال : « إنّهم مجوس هذه الاُمّة إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم » (٤).
وقد حاول الأشعري تطبيق الحديث على المعتزلة وقال : « زعمت القدريّة ـ يريد بها المعتزلة وأسلافهم ـ أنّا نستحقّ اسم القدر ، لأنّا نقول : إنّ الله عزّ وجلّ قدّر الشرّ
__________________
١و٢ ـ جامع الاُصول : ج ١٠ ص ٥٢٦.
٣ ـ الموضوعات لابن الجوزي : ج ١ ص ٢٧٥ ـ ٢٧٦ واللئالي المصنوعة للسيوطي ، ج ١، ص ٢٥٨.
٤ ـ كنز الفوائد : ج ١ ص ١٢٣ ط بيروت.