والكفر ، فمن يثبت القدر كان قدريّاً دون من لم يثبته ».
ثمّ أجاب عن استدلال المعتزلة وقال : « القدريّ من يثبت القدر لنفسه دون ربّه عزّ وجل ، وأنّه يقدّر أفعاله دون خالقه ، وكذلك هو في اللّغة ، لأنّ الصائغ هو من زعم أنّه يصوغ دون من يقول إنّه يصاغ له ، فلمّا كانت المعتزلة تزعم أنّهم يقدّرون أعمالهم ويفعلونها دون ربّهم ، وجب أن يكونوا قدريّة ، ولم نكن نحن قدريّة لأنّا لم نضف الأعمال إلى أنفسنا دون ربّنا ولم نقل : إنّا نقدّرها دونه. قلنا إنّك تقدّر لنا » (١).
يلاحظ عليه : أنّ القضاء والقدر من الكلمات الواردة في الكتاب والسنّة بكثرة. والفاعل في الجميع هو الله سبحانه وتعالى ، لا الإنسان قال تعالى : ( والّذي قدّر فهدى ) ( الأعلى ـ ٣ ) وقال : ( إنّا كلّ شيء خلقناه بقدر ) ( القمر / ٤٩ ). فلو أطلق « القدريّة » يراد به المعتقد لما جاء في المصدرين من قضاء الله وقدره ، لا المعتقد بأنّ الإنسان هو الّذي يقدّر أفعاله وأعماله.
وأعجب من ذلك قياسه اسم الفاعل على المصادر المنسوبة ، فالأوّل كالصائغ يراد منه الفاعل أي من يصوغ ، دون الثانية. بل يراد منها المعتقد بالمصدر الّذي نسب إليه ، كالجبريّة : من يعتقد بالجبر ، والعدليّة : من يعتقد بالعدل ، وهكذا.
ثمّ إنّ هنا محاولات اُخرى لأجل تطبيق الحديث على عقيدة دعاة الحريّة والاختيار غير ما عرفته من كلام الأشعري من أنّ الإنسان هو المقدّر لأعماله ، كما عرفت ضعفه وإليك بيانها :
١ ـ القدريّة منسوبة إلى « القدرة » بمعنى الاستطاعة ، فمن قال بتأثير قدرة الإنسان في فعله وأنّها المصدر له ، فهو قدريّ.
يلاحظ عليه : أنّه لو صحّ هذا الوجه لوجب ضمّ الفاء دون فتحها ، والمشهور هو الأوّل ولم يسمع الثاني.
__________________
١ ـ الابانة : ص ١٤٦.