الكسب لم يأتوا بشيء معقول ، وقالت العدليّة : معاذالله أن يكون فعله إلاّ حكمة وحقّاً ، وصواباً وعدلاً ، فالزنا فعل الزاني انفرد بفعله ، فكلّ قبيح منسوب إلى المذموم به ، وإنّما تولّى المذمّة العاصي ، إذ باع الآخرة بالدُّنيا ، ولم يعلم أنّ ما عندالله خير وأبقى ، ولو كان قد خلق أعمال العباد لما جاز أن يأمر بها وينهاهم عنها كما لم يجز أن يأمرهم بتطويل جوارحهم وتقصيرها ، إذ خلقها على ما خلقها ، ولو خلق الكفر لما جاز أن يعيب ما خلق ، ولو كان فاعل الكفر لما جاز أن يذمّ ويعيب ما خلق ويذمّ مافعل ، ولو كان مخترعَ الفساد لما جاز أن يعاقب على ما اخترع ، ولا تنفكّ القبائح من أن تكون من الله تعالى فلا حجّه على العبد ، أو من الله ومن العبد فمن الظلم أن يفرده بعقاب ما شارك في فعله ، أو من العبد فهو يستحقّ العقاب ، وقال تعالى : ( يَلْوون أَلْسِنَتَهُمْ بِالكِتَابِ ـ إلى قوله ـ وهُمْ يَعْلَمُونَ ) (١) فلو كان لوي ألسنتهم من خلق الله تعالى لما قال : ( وما هو من عند الله ) (٢).
وبعد ، فالكفر قبيح وأفعال الله حسنة ، فعلمنا أنّ الكفر ليس منها ، وهكذا أخبر تعالى بقوله : ( الّذي أحْسَنَ كُلَّ شَيْء خَلَقَهُ ) (٣) وقوله تعالى : ( صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء) (٤).
فإن سألوا عن قوله تعالى : ( وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ومَا تَعْمَلُونَ ) (٥) فقل : هذه الآية لو تلوتم صدرها لعلمتم أن لا حجّة لكم فيها ، لأنّه تعالى أراد بالأعمال هيهنا الأصنام ، والأصنام أجساد ، وليس من مذهبنا أنّا خلقنا الأصنام ، بل الله خلقها ، ألا ترى أنّه قال تعالى : ( أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ومَا تَعْمَلُونَ ) (٦).
فإن قالوا : ( لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْأَلُونَ ) (٧) فقل : إنّه أدلّ على العدل ، لأنّ العباد يُسألون عن أفعالهم لما كان فيها العبث والظلم والقبيح ، والله تعالى لمّا كانت أفعاله كلّها حسنة لا قبيح فيها ، وعدلاً لا ظلم معها ، تنزّه عن أن يسأل ، ولم يرد بهذا ما
__________________
١ ـ آل عمران / ٧٨. ٢ ـ آل عمران / ٧٨. ٣ ـ السجدة / ٧. ٤ ـ النمل / ٨٨. |
٥ ـ الصافات / ٩٦. ٦ ـ الصافات / ٩٥ ـ ٩٦. ٧ ـ الأنبياء / ٢٣. |