تريده الفراعنة إذ قالت لرعيّتها : وقد سألناكم فلا تسألونا لم أظلمكم وأفسقكم ( كذا ) ، كلاّ ... فإنّه تعالى لم يدع للسؤال موضعاً بإحسانه الشامل ، وعدله الفائض ، ولولا ذلك لم يقل : ( لئلا يكون للنّاس على الله حجّة بعد الرسل ) (١) فنحن نقول : إنّ أفعالنا الصالحة من الله ليس بمعنى أنّه فعلها ، وكيف يفعلها وفيها خضوع وطاعة ، والله تعالى لا يكون خاضعاً ولا مطيعاً ، بل نقول : إنّها منه ، بمعنى أنّه مكّن منها ، ودعا إليها وأمر بها وحرّض عليها ، ونقول : إنّ القبائح ليست منه لأنّه نهى عنها ، وزجر وتوعّد عليها ، وخوّف منها وأنذر ، ونقول : إنّها من الشيطان بمعنى أنّه دعا إليها وأغوى ، ومَنّى في الغرور ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلاّم لِلْعَبِيدِ) (٢) ( أنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ والإحْسَانِ ـ إلى قوله ـ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (٣) وقال تعالى في صفة الشيطان : ( يَعِدُهُمْ ويُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إلاّ غُرُوراً ) (٤).
فإن قالوا : فقد قال تعالى : ( كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ) (٥) قلنا : معنى الآية غير ما قدّرت ولو قدّرتها كما نقدّر لعلمت أن لا حجّة فيها لك ، لأنّه تعالى يقول : ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هِذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ـ إلى قوله ـ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ) (٦) فإنّما هذا في الكفّار حيث تطيّروا بنبيّ الله عليهالسلام وكانوا إذا أتاهم الخصب يقولون هذا من عندالله وإذا أتاهم الجدب يقولون : هذا من عندك ، كما قال تعالى : ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةً يَطَّيَّرُوا بِمُوسى ومَنْ مَعَهُ ـ إلى قوله ـ لا يَعْلَمُونَ ) (٧) فبيّن الله تعالى أنّ ذلك كلّه ـ يعني الخصب والجدب ـ من عنده ، إلاّ أنّه لم يقل : وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندنا على ما تذكره المجبّرة وقد دلّ الله على بطلان قولهم : ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَة فَمِنَ اللّهِ ومَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسِكَ ) (٨).
وزعمت المجبّرة القدريّة أنّ الله خلق أكثر العباد للنّار ، وخلقهم أشقياء بلا ذنب
__________________
١ ـ النساء / ١٦٥.
٢ ـ فصلت / ٤٦.
٣ ـ النحل / ٩٠.
٤ ـ النساء / ١٢٠.
٥ ـ النساء / ٧٨.
٦ ـ النساء / ٧٨.
٧ ـ الاعراف / ١٣١.
٨ ـ النساء / ٧٩.