ولا جرم ، وغضب عليهم وهو حليم من غير أن يغضبوه ، وخذلهم من قبل أن يعصوه ، وأضلّهم عن الطّريق الواضح من غير أن خالفوه ، وقالت العدليّة : خلق الله الخلق لطاعته ، ولم يخلقهم لمخالفته ، وأوضح الدّلالة والرّسل لصلاح الجماعة ، ولم يضلّ عن دينه وسبيله.
وكذا أخبر بقوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُون ) (١) وكيف يمنع إبليس من السّجدة ثمّ يقول : ( مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) (٢).
فإن سألوا عن قوله تعالى : ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الجِنَّ والإنْسِ ) (٣) قيل : « لام العاقبة » معناها أنّ مصيرهم إلى النار ، كما قال تعالى : ( فَالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَونَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وحَزَناً ) (٤) وإن كانوا التقطوه ليكون لهم قرّة عين ، وقد بيّن ذلك بقوله تعالى : ( وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَونَ قُرَّتُ عَيْن لِي وَلَكَ ) ـ إلى (٥) آخره ـ وكذلك الجواب بقوله تعالى : ( أنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إثْماً ) (٦).
وزعمت المجبّرة القدريّة أنّ الله يضلّ أكثر عباده من دينه ، فأنّه ما هدى أحداً من العصاة إلى ما أمرهم به ، وأنّ الأنبياء عليهمالسلام أراد الله ببعثهم الزيادة في عمى الكافرين ، وقالت العدليّة : أنّ الله لا يضلّ عن دينه أحداً ، ولم يمنع أحداً الهدى الّذي هو الدلالة ، وقد هدى ومن لم يهتد فبسوء اختياره غوى. قال الله تعالى : ( وأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا العَمَى عَلَى الهُدَى ) (٧) على أنّا نقول أنّ الله يضلّ من شاء ويهدي ، وأنّه يضلّ الظالمين عن ثوابه وجنّاته ، وذلك جزاء على سيئاتهم ، وعقاب على جرمهم ، قال الله تعالى : ( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إلاّ الفَاسِقِينَ ـ إلى قوله ـ أُولئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ ) (٨) فأمّا الضلال عن الدين فهو فعل
شياطين الجنّ والإنس ، ألا ترى أنّ الله تعالى ذمّ عليهم فقال : ( وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ ) (٩) وقد حكى عن أهل النّار أنّم يقولون :
__________________
١ ـ الذاريات / ٥٦. |
|
٢ ـ ص / ٧٥. |
|
٣ ـ الأعراف / ١٧٩. |
٤ ـ القصص / ٨. |
|
٥ ـ القصص / ٩. |
|
٦ ـ آل عمران / ١٧٨. |
٧ ـ فصلت / ١٦. |
|
٨ ـ البقرة / ٢٦ ـ ٢٧. |
|
٩ ـ طه / ٨٥. |