الأوّل : الجبر ونفي الاستطاعة والقدرة ، فالجهم بن صفوان رأس الجبر وأساسه ، ويطلق عليه وعلى أتباعه الجبريّة الخالصة في مقابل غير الخالص منها.
قال الشهرستاني : « الجبر هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الربّ تعالى ، والجبريّة أصناف ، فالجبرية الخالصة هي الّتي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً. والجبريّة المتوسطة هي الّتي تثبت للعبد قدرة غير مؤثّرة أصلاً. فأمّا من أثبت للقدرة الحادثة أثراً مّا في الفعل وسمّى ذلك كسباً فليس بجبري » (١).
يلاحظ عليه : أنّ الفرق الثلاث كلّهم جبريّون من غير فرق بين نافي القدرة والاستطاعة كما عليه « الجهم » أو مثبتها ، لكن قدرة غير مؤثّرة ، بل مقارنة لإيجاده سبحانه فعل العبد وعمله ، أو مؤثّرة في اتّصاف الفاعل بكونه كاسباً والفعل كسباً ، لما عرفت من أنّ القول بالكسب نظريّة مبهمة جدّاً لا ترجع إلى أصل صحيح ، وأنّ القول بأنّه سبحانه هو الخالق المباشر لكلّ شيء لا يترك لنظريّة الكسب مجالاً للصحّة ، لأنّ الكسب لو كان أمراً وجوديّاً فالله هو خالقه وموجده ( أخذاً بانحصار الخلق في الله ) ، وإن كان أمراً عدميّاً اعتبارياً ، فلا يخرج الفاعل من كونه فاعلاً مجبوراً (٢).
وعلى أيّ تقدير ، فالقول بالجبر وإذاعته بين الناس وانقيادهم له كان حركة رجعيّة إلى العصر الجاهلي ، وقدكان الجبر سائداً على مشركي العرب وغيرهم (٣).
الثاني : تعطيل ذاته سبحانه عن التوصيف بصفات الكمال والجمال ومن هنا نجمت المعطّلة. ولكنّه لم يتبيّن لي صدق ما نسبه إليه البغداديّ والشهرستاني من أنّه قال : لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه ، لأنّ ذلك يقتضي تشبيهاً ، فنفى كونه حيّاً عالماً وأثبت كونه قادراً ، فاعلاً ، خالقاً ، لأنّه لا يوصف شيء من خلقه بالقدرة والفعل والخلق (٤).
__________________
١ ـ الملل والنحل : ج ١، ص ٨٦.
٢ ـ راجع : الجزء الثاني من كتابنا هذا ص ١٣٠ ـ ١٥٣.
٣ ـ راجع : الجزء الأول ص ٢٣٢.
٤ ـ الملل والنحل : ج ١ ص ٨٦.