يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ قوله ( في كِتاب مَكْنُون ) وصف ثان للقرآن في قوله : ( بَل هوَ قُرآنٌ مجِيدٌ ) والمراد أنّ القرآن في كتاب محفوظ من التّغيير والتبديل ، والمراد من الكتاب هو اللّوح المحفوظ بشهادة قوله : ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْح مَحْفُوظ ) ( البروج / ٢١ ـ ٢٢ ). وليس المراد منه المصحف ، لاستلزامه وحدة الظرف والمظروف.
وثانياً : أنّ الظّاهر من ابن حزم الظاهري ، أنّ الاستدلال على حرمة مسّ المصحف للجنب مبنيّ على تعيين المراد من الكتاب في قوله : ( في كِتاب مَكْنُون ) فهل المراد منه هو المصحف أو غيره؟ فعلى الأوّل يثبت حرمة مسّ المصحف لغير المتطهّر بخلاف الثاني.
فرجّح كون المراد منه هو غيره ، لما ذكر من الدّليل ولكن خفى عليه أنّ الاستدلال ليس مبنيّاً على ما ذكره ، بل الاستدلال مبنيّ على كون الضمير في قوله : ( لا يمسّه ) هل هو عائد إلى القرآن ، أو إلى الكتاب ، المتقدّمين عليه في الآية؟ فإن قلنا بالأوّل يكون المراد من المسّ هو مسّ كتابة القرآن ، ومن التّطهير هو الطهارة من الخبث والحدث. ولا مناص عندئذ من حمل النّفي على النّهي لصيانة كلامه عن الكذب نظير قوله سبحانه : ( فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ ولا جِدَالَ فِي الحَجِّ ) ( البقرة / ١٩٧ ). وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا ضرر ولا ضرار » على القول الحق (١).
وإن قلنا بالثّاني ، يكون المراد من المس ، هو العلم به ويكون المراد من المطهّرين ، من طهّر الله نفوسهم من أرجاس المعاصي وأقذار الذنوب.
وأمّا تعيين أحد الاحتمالين فخارج عن موضوع البحث ، وإنّما الهدف إراءة نماذج من تفكير ابن حزم.
أمّا الاستدلال بكتابة الآية وبعثها إلى عظيم « بصرى » والنبيّ يعلم أنّ الكافر سيمسّها.
__________________
١. لاحظ محاضرات المؤلف باسم « قاعدتان فقهيتان » تقف على اسناد الحديث ومضمونه.