الناحية » (١).
وربّما يرد على الأخير بأنّه تجاسر على قلب الحقائق مسقطاً الواقع الّذي يثبت اجتهاد الرّسول والصّحابة والتابعين ... وكتب السنّة والسيرة والتّاريخ والفقه والخلاف والمقارنات الفقهيّة حافلة بما يؤيِّد اجتهادهم وتعويلهم على العقل.
يلاحظ عليه : أنّ كلام هذا الرادّ أقرب إلى قلب الواقع ممّا ذكره « جولد تسيهر » ذلك المستشرق الحاقد على الإسلام ونبيّه ، وذلك لأنّ أهل الحديث والحنابلة ينكرون الحسن والقبح العقليّين ، وإنكار ذلك مساوق لإنكارّ كثير من المعارف الدينيّة ، والمعارف الدينيّة عندهم قائمة على السنّة فقط ، وأحيانا على الكتاب. وأمّا العقل فهو محكوم عندهم بالاعدام ، حتّى أنّ طريق الإمام أبي الحسن الأشعري غير مقبول لدى أهل الحديث والحنابلة ولأجل ذلك ما ذكروه في طبقاتهم ، قائلين بأنّ الشيخ الأشعري يستدلّ على العقائد ، مكان أن يعتمد فيها على الحديث والسنّة.
وأمّا الاعتماد على العقل في الفقه ، فلو اُريد منه القياس والاستحسان فهو من قبيل العقل الظنّي الذي لا يغني من الحقّ شيئاً ، وإن اُريد منه الحكم القطعي من العقل ، فهو مبنيّ على التّحسين والتقبيح العقليين ، وأهل الحديث والحنابلة حتّى الأشاعرة ينكرون إمكان هذا الادراك العقلي.
هذا وللمستشرقين كلمات اُخر في تحسين منهج الاعتزال ضربنا عنها صفحاً.
إنّ أحمد أمين ( الكاتب الشهير المصري ) مع أنّه لم يقف من كتب المعتزلة إلاّ على الأقل القليل كالانتصار لأبي الحسين الخيّاط ( م ٣١١ ) ، والكشّاف للزمخشري ( م ٥٣٨ ) ، وبعض كتب الجاحظ ( م ٢٥٥ ) وقد اعتمد في نقل عقائد المعتزلة
__________________
١ ـ المعتزلة بين العمل والفكر : ص ١٠٣، تأليف : علي الشابي ، أبو لبابة حسن ، عبد المجيد النجار. طبع الشركة التونسية.